في زمن الانتظارات الكبري وفي مستهل سنة طلعت شهباء، يعود الرئيس عزيز من عطلته الطويلة وكل ما في جيبه –فيما يبدو- رتوش خفيفة لترميم تجاعيد وجه حكومة لم تعد كل مساحيق الدنيا لتفلح في انتشاله من تأثيرات شيخوخة تداخلت فيها الآثام وسوء الطوية بمرارة الفشل لترسم بمحياها لوحة تجسد القبح في "أبهى" تجلياته أمام أعين شعب ظل يرصد وينتظر ويتوقع ويأمل..
قد يكون هناك من هو غير مستعد لتصديق أن الرئيس قد أصبح في قطيعة شبه تامة مع الرأي العام أو أنه لم يعد يكترث لاهتماماته، غير أن الرسالة الوحيدة للتعديل الوزاري الأخير تؤكد بكل وضوح أنه لم يعد مهتما بتحسين إدارة شؤون البلاد أو أنه فقد الأساسي من قوته فتحول إلى رقم من بين عدة أرقام تتجاذب الفترة الأخيرة من المأمورية الأخيرة بحثا عن سهم من تركة نظام بات على مفترق طرق!
يتمسك القادة عادة بمعاونيهم بناء على معايير الكفاءة والشعبية والاخلاص. وإذا كان غياب الكفاءة يمثل القاسم المشترك الأبرز بين "أسمى" رموز الحكومة والحزب الحاكم، فإن الحديث عن الشعبية قد لا يجوز في حضرة وزير أول بالكاد ساهم في إنجاح عمدتين من ضمن 5 بلديات أسندت إليه، ورئيس حزب حاكم تطلب منحه صفة نائب برلماني "اختلاق" شوط ثالث لعله الأول من نوعه في البلاد!
أما الاخلاص فلا أحد يجهل اليوم أنه أندر سلعة في سوق نظام تحول بعض أبرز قادته إلى ما يشبه رؤساء عصابات تعطل صراعاتهم مصالح العباد والبلاد وتعيق معاركهم الحقيقية والوهمية أية جهود تنموية قد يقام بها، والأخطر أن مؤامراتهم وضمور حس المسؤولية لديهم تعمق يوميا عزلة النظام وتزرع عوامل الفتنة وتذكي مختلف أشكال التوترات التي تضع البلاد على فوهة بركان قابل للانفجار في أية لحظة!
يحدث كل ذلك ويراد له أن يستمر وكأن كرسي الرئاسة قد تشكل أصلا من فولاذ، بينما هو في حقيقته مجرد كرسي من خشب يعتمد على قوائم ثلاثة: قوة الجيش، مكر السياسة وشرعية الانجاز. وفي حين يبدو الجناح العسكري منشغلا بترتيب خلافة كبار قادته ومصابا بحمى الخوف من أن يقفز مدني خلال الاستحقاقات القادمة إلى السلطة، فإنه لا شيء أكثر تجسيدا لتعطل جناح السياسة من منظر مقرات الحزب الحاكم وقد تحولت إلى خرائب مهجورة تعج بالأشباح أو من تقلص أدائه لدرجة أنه لم يعد لديه ما يقدمه للرأي العام من إنجاز سوى إعادة تصميم موقع الكتروني ضحل المضمون غير مقنع الشكل! والأكثر مأساوية من كل ذلك أن شرعية الانجاز تكتسب من قدرة الجهاز التنفيذي على التجاوب مع طموحات الشعب، بينما نحن أمام إدارة أفرغت من كفاءاتها أو على الأصح شردت أصحاب الكفاءات، لتسقط في أيدي شذاذ آفاق تسلقوا –في غفلة من التاريخ- من على سلالم البهرجة والتملق، لينشروا الرداءة حيثما حلوا وكأن مهامهم منحصرة في التدمير الممنهج لما تبقى من قيم الجمهورية وفي بذر الفشل وإعادة إنتاجه!
ومع ذلك يظل الرئيس معتمدا على تلك القوائم المهترئة من دون أدنى صيانة ولا ترميم باعتبارها كلما يمتلك من أسلحة لمواجهة الاستحقاقات الجدية القادمة، في وقت بدأت فيه مختلف القوى المعارضة تحشد لمعركة فاصلة تكشف كل المؤشرات بأنها ستكون قاسية وشرسة إلى أبعد الحدود. فهل سيعني ذلك أن النظام فقد الثقة في المستقبل وتقبل الهزيمة حتى قبل بدء المعركة وبدأ التخطيط للانسحاب التدريجي من المشهد؟
السفير \