بعد خمسة أيام من الحوار بين فريق العلماء المنتدب من طرف السلطة والسجناء السلفيين، وفي سبيل معرفة آفاق هذا الحوار، التقت صحيفة "أقلام" بالقيادي في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المعروف، ب: "أبو قتادة الشنقيطي" وهو أحد نزلاء السجن المدني بنواكشوط ومهندس ميكانيكي وضابط سابق في البحرية الوطنية، فكان لها معه الحوار التالي:
أقلام: أعطت السلطة قبل ثلاثة أيام إشارة الانطلاق الرسمية للحوار معكم، ما هو تقييمكم اليوم لهذا الحوار؟
أبو قتادة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أشكركم على إتاحة هذه الفرصة وأشكر طاقم موقع "أقلام حرة" على ما بذلوه من جهد في سبيل فتح هذا الحوار. ما أود قوله هو أن الحوار مسألة محمودة شرعا وجميعنا مستعدون له لأن الحكمة ضالة المؤمن ونحن والحمد لله لدينا قناعاتنا التي نتمسك بها ونعرف أنها توافق شرع الله وخلافاتنا مع المشاييخ الذين التقينا بهم هي –كما قال الشيخ محمد المختار ولد امباله- خلافات اجتهادية وليست عقائدية، فلهم ما لهم ولنا ما لنا.
ما حدث حتى الآن هو أن المشاييخ التقوا بمجموعة من الإخوة الأفاضل من مجموعة ال "47" (التي أصبحت حوالي الخمسين) وأوضحوا لهم بأنهم كانوا يمارسون الدعوة إلى الله ولم يحملوا السلاح إلى أن زج بهم في السجن ظلما ليواجهوا الكثير من المعاملة السيئة. كما أنني التقيت بهؤلاء المشاييخ وكان لي معهم حوار مطول يمكن وصفه بالحوار الهادئ والشيق والمثمر.
وقد أعربت لهم عن استعدادي، وبأنني لا أجد غضاضة في أن ينبهني أحدهم على خطئي حين أكون مخطئا، بل على العكس أطلب من الكل أن يفعلوا ذلك. وخلال اللقاء تم التطرق للعديد من النقاط التي لا يمكن أن أتعرض لها هنا مادام الشيخ امباله يتحفظ على مضمون النقاش، غير أني أكدت لهم بأننا نختلف في الوسيلة التي هي مسألة اجتهادية وبأن من دلني على وسيلة بديلة لها وليس فيها تخاذل ولا تقاعس عن أوامر الله عز وجل بالجهاد في سبيله فإنني مستعد للتعاطي الإيجابي معه.
ولعل أهم ما حدث الآن هو أن المشاييخ –بعد سنوات من الجفاء- أبدوا لنا الكثير من الود وجلسنا معهم واعتذر كل منا من الآخر وتسامحنا، كما أن الإخوة جزاهم الله خيرا استقبلوهم بما هم أهل له.
أقلام: منذ الساعات الأولى لانطلاقة الحوار بدا جليا أن السجناء ينقسمون على الأقل إلى فريقين، ما هو تفسيركم لهذا الانقسام بين من يفترض أن يتحدثوا بلسان واحد؟
أبو قتادة: هذه ملاحظة واردة حين يتعلق الأمر بسجناء يؤمنون بنفس النهج، أما في الحالة التي بين أيدينا فإنهم ليسوا كذلك: هنالك من بينهم من لديهم نهج يؤمنون به، وهناك من لا يؤمنون بذلك النهج وإن كانوا يقاسمونهم بعض المنطلقات، وهناك من زج بهم في السجن ظلما ولا علاقة لهم بكل هذا.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه حين يتعلق الأمر بنقاش فكري يتناول القضايا العقدية فليس من الوارد أن ينوب أحد عن الآخر. فأنا مثلا من ضمن مجموعة متفقة فيما بينها لكنني في مثل هذه الحالة لا أستطيع أن أترك من ينوب عني.
ورغم ذلك فهناك محاولات لتنسيق المواقف من القضايا المشتركة بين الجميع. وهناك إخوة يبذلون مشكورين جهودا كبيرة في هذا الإطار.
أقلام: من الواضح أن السلطة تسعى من وراء الحوار معكم إلى التوصل لاتفاق ينهي حالة الاحتقان الراهنة، هل سيكون تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي معنيا بمثل هذا الاتفاق في حالة حصوله؟ بمعنى آخر هل التنظيم مشارك في هذا الحوار؟
أبو قتادة: الذي يفهم من هذا الحوار أنه رسالة غير مباشرة للبحث عن هدنة، والإخوة في التنظيم متمسكون بشريعة الله ولا شك أنهم سيعرضون هذا الموضوع على الكتاب والسنة، والله تعلى يقول "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها". وإذا كانت هناك تجاوزات قد حصلت فهم أكثر تقوى من الآخرين وأكثر تمثلا لقوله تعلى "وأن تعفوا أقرب للتقوى". وحين ينجح الحوار فسننقل لهم الصورة كاملة وبكل أمانة.
أقلام: هل تريد أن تقول بأنه ليس هناك داخل السجن من يمثل القاعدة؟
أبو قتادة: أنا شخصيا لم تخولني القاعدة للحديث باسمها، وليس هناك داخل السجن من خولته بذلك. هنالك بالفعل عناصر من القاعدة محل ثقة ولديهم وزن معتبر لكن أيا منهم غير مخول للحديث باسمها.
أقلام: على الأقل يمكنك أن تطلعنا على الذي تتوقعه أنت من هذا الحوار؟
أبو قتادة: لا أفضل أن أتحدث الآن عن توقعاتي، لكني أود أن أقدم نصيحة للدولة الموريتانية وهي أن تعطي الأولوية للاهتمام بمصالح مواطنيها، وأن تطلق سراح كل السجناء وتعترف بأن ليست لديها أية مصلحة في مواجهة التنظيم وأنها لا تستطيع ذلك. وأول ما أنصحها به أن تقوم –كبادرة حسن نية- بالمطالبة بالسجناء الموريتانيين في غوانتانامو، وأن تلغي قانون الإرهاب.
أقلام: يأتي فتح الحوار بعد عمليات ناجحة شنتها القاعدة، فهل ترى أن هناك علاقة بينه وبين العمليات التي استهدفت مؤخرا بعض الأوربيين داخل التراب الموريتاني؟
أبو قتادة: بكل تأكيد هناك علاقة بين هذا وذاك، فالدولة كانت تحارب الدعاة وتستخف بالعلماء، وبعد الضربات بدأ الاهتمام بهم فأصبحوا يعقدون الندوات في قصر المؤتمرات وتم فتح الحوار. كل ذلك بفضل الله تعلى وبفضل الجهاد والمجاهدين.
أقلام: لقد أعلنتم تجاوبكم مع الحوار واستعدادكم للتفاعل معه، هل يمكن أن نتوقع تخليكم عن العنف؟
أبو قتادة: ما نقوم به ليس عنفا، إنه جهاد في سبيل الله.. لقد أمر سبحانه وتعلى بالجهاد في نفس السورة التي أمر فيها بالزكاة والحج، وهو ذروة سنام الإسلام. وإذا كنت تعني توقيف الضربات عن الدولة فهي مسألة لا يحسم فيها إلا أمراء المجاهدين، أما نحن فصدورنا رحبة للحوار وكما سبق وأن قلت فحين نجد من يقنعنا بالدليل الشرعي سنكون مستعدين للتعاطي معه.
ومخطئ من يظن أننا في موقف ضعف فنحن سجنا في سبيل الله وإخواننا والحمد لله يحتجزون مجموعة من الكفار (من بينهم من يحتلون الأندلس)، ونحن نعتمد على الله أولا وعلى إخواننا من أفغانستان حتى الجزائر ونعرف بأنهم لن يتخلوا عنا وسبق وأثبتوا ذلك.
أقلام: لكن السلطة تفاوضكم من موقع قوة، وكل تصريحات المسؤولين الكبار أكدت بأن القاعدة لم يعد لها وجود في موريتانيا...
أبو قتادة: دعهم يقولون ما يشاؤون.. لكنك تعرف أنت أيضا أن الرهائن الأسبان لم يعد لهم وجود في موريتانيا وتعرف أن هؤلاء المسؤولين يبجلون أسيادهم أكثر من أي شيء آخر. وما هو صحيح هو أن المجاهدين لم يستهدفوا موريتانيا بعد وحين يستهدفونها سيكون ذلك أدهى وأمر، فكل ما حصل حتى الآن هو أن المجاهدين ردوا على استفزازات السلطة كتسليم المسلمين لأعداء الله (تسليم ولد صلاحي) ومحاربة الدعوة والدعاة.
وهنا أفضل أن أعتقد أن السلطة بدأت تستعيد شيئا من رشدها وتحاول إصلاح ما سبق وأن أفسدته.
أقلام: هل من كلمة أخيرة تود توجيهها للرأي العام أو لأي كان؟
أبو قتادة: أولا أقول للشعب الموريتاني بأنه عزيز علينا وبأننا نكن له كل الحب ولن نألو أي جهد في سبيل المساعدة في كل ما من شأنه أن يمنحه الأمن والرخاء اللذين لن يتحققا إلا بتطبيق شرع الله.
ثانيا: أشكر السلطات الموريتانية على هذه الخطوة الشجاعة الذي أجدد ترحيبنا بها وأذكرها بقول الله تعلى "ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى". وأذكر الجميع بأنني من ضمن مجموعة معزولة في السجن عن بعضها البعض وبالتالي ممنوعون من التنسيق فيما بيننا ومن حضور المحاضرات، مع أن الحوار مطلب لنا ومع أننا حريصون كل الحرص على تجنيب موريتانيا ما لا قبل لها به. وأنا شخصيا سبق وحدثت عدة أمراء في موضوع عدم استهداف موريتانيا وسبق وحصلت اتفاقات بينها مع التنظيم لكن ولد الطايع خانها، غير أن ما فات فات وكل الأخطاء يمكن إصلاحها.
ثالثا: أوجه نداء من هذا المنبر إلى الرئيس محمد ولد عبد العزيز لرفع الظلم عن كل من المحافظ السابق للبنك المركزي سيدي المختار ولد الناجي ومساعده محمد ولد عمار، وإطلاق سراحهم فمنذ عرفانهم لم نعرف فيهم إلا خيرا.
وأشكركم والسلام عليكم.