سيناريوهات ما بعد الرئيس ولد عبد العزيز

ثلاثاء, 2017-02-28 10:15

كشفت مقابلة الرئيس عزيز، التي أجرى الأسبوع الماضي مع قناة تلفزيون فرانس24، عن الكثير من المعطيات الهامة بالنسبة لأي محلل لمستقبل موريتانيا ولمسار التحولات السياسية الجارية في هذا البلد، بعد عشرية الاستقرار السياسي النسبي الذي عرفته البلاد أثناء فترة حكم تميز صاحبها بأنه انقلب على رئيسين منتخبين، وظل دائما مثيرا للجدل، لكنه حقق الكثير من الإنجازات التي لا تقبل النقاش.

 

 لكن، لماذا يغامر الرئيس عزيز -أثناء هذه المقابلة التي لم يكن مرتاحا خلالها- بكشف أهم أوراقه في هذا الوقت المبكر؟ هل فرضت عليه "ظروف ما" بعث رسائل  مستعجلة تنبؤ عن سقف طموحه السياسي المستقبلي؟ وكذا التأكيد على أنه ممسك بالفعل وسيظل ممسكا بكل خيوط اللعبة السياسية في البلد حتى وهو على مشارف نهاية مأموريته الثانية؟

 

ورغم أن المستقبل فقط هو الذي سيحكم على وجاهة هذه الخطوة، فإن كشف الرئيس عن أوراقه قبل سنتين من انتهاء مأموريته هو أمر ينطوي على مزيج من النرجسية والثقة الزائدة في النفس إلى حد الاحتقار المبطن للأطراف السياسية الأخرى، لكنه يعكس أيضا نوعا من العفوية بل وحتى السذاجة السياسية التي لا شك أنها لفتت انتباه كثيرين وربما استغربها البعض ولم يتوقعها من شخص عاش في دهاليز الحكم والسلطة قرابة عشرين سنة.

 

وبلا شك، فإن كشف الرئيس عن أوراقه يشكل كذلك سلاحا ذا حدين، فهو بقدر ما يرفع الغموض عن سقف طموحه السياسي المستقبلي، فهو يفقده الكثير من عناصر القوة والتأثير على مستوى جبهته الداخلية أي قوى الأغلبية، التي سيخطئ الرئيس عزيز لو تصور أنها "أغلبيته" بالتعدي، بل هي- ككل "الأغلبيات" السابقة في هذه البلاد- تتوحد حول شخص الرئيس، ولكنها لن تكون بالضرورة مستعدة للتوحد حول مرشح الرئيس.

 

وحتى لو سلمنا جدلا بأن الرئيس سيتمكن من التحكم في الفقاعة و سينجح في "تمرير مرشحه" في النهاية  - وهو ما يفترض حتما السيطرة على خمسة مراكز قوة حاسمة هي: القطاع الخاص للتمويل، والقوى الناخبة التقليدية للتصويت، والقوات المسلحة للحماية، ومراكز الاستخبارات لقياس موازين القوة، والمجتمع المدني للتسويق داخليا وخارجيا، يبقى تسيير المرشح المنتخب -بعد أن يصبح رئيسا للجمهورية- أمرا بالغ الصعوبة والتعقيد وينطوي  على الكثير من المجازفة.

 

ولعل موضوع توريث السلطة في موريتانيا - كما هو معروف- ما يزال قضية معقدة ومربكة للرأي العام الداخلي والخارجي معا. ويتذكر الجميع سيناريو ترشيح العسكر للسيد سيدي ولد الشيخ عبد الله، سنة 2007، حيث كانت تجربة فاشلة بكل المقاييس، خلفت آثارا سياسية ونفسية مدمرة على البلاد وعلى مشروع التحول الديمقراطي فيها..ويكفي أن نتساءل فقط، أين هي الآن التوليفة السياسية-العسكرية التي جاءت بالمرشح سيدي ولد الشيخ عبد الله إلى الحكم؟ ألم تنفجر تلك المجرة بعد أقل من سنتين؟ وتتناثر إلى أشلاء؟

 

كذالك، فإن موقف الرئيس أثناء المقابلة، قد أعطى دليلا قاطعا لمبررات تخوف المعارضة غير المحاورة من الأهداف التكتيكية للحوار وحرصها على مقاطعته دائما، حيث اتضح الآن بأن الدعوة للحوار الذي أجراه النظام وأغلبيته مع بعض القوى المعارضة، كان أقرب إلى خدعة أو فخ للإيقاع بالمعارضة ككل، أكثر مما هو  حوار حقيقي من أجل معالجة جدية للمشهد السياسي الوطني في كلياته الناظمة.

 

أما مخرجات ذلك الحوار، فلا شك أنها كانت هزيلة بشكل عام، ولعل العنصر الجديد الوحيد فيها هو فكرة إنشاء مجالس إقليمية، التي تمثل الجزرة التي يعول عليها النظام من أجل تحفيز القوى الناخبة بكل ألوانها وأطيافها للمشاركة في الانتخابات القادمة من خلال خلق بديل عن منصب رئاسة الجمهورية ألا وهو رئاسة المجالس الإقليمية، التي ربما ستغري بعض منافسيه، وتخفف الضغط على السباق نحو منصب رئيس الجمهورية.

 

وبالتالي، تكون فكرة المجلس الإقليمي هي عرض سياسي من نوع آخر.. ربما ستحظى باهتمام  انتخابي مبهر من طرف المواطنين، بحيث لن تتجرأ القوى السياسية المعارضة على مغامرة مقاطعتها أو التغيب عنها لأي سبب، لأن ذلك سيشكل نوعا من الانتحار السياسي بالنسبة لها. فالمطلوب إذن - من خلال آلية المجالس الإقليمية - هو أن يفهم فاعلون سياسيون ومعارضون من الطراز الأول مثل أحمد ولد داداه أن التعويض عن رئاسة الدولة.. إذا تعذرت، سيبقى ممكنا ربما من خلال تولي رئاسة المجلس الإقليمي لولاية اترارزه مثلا..

 

لكن، ما هو الرصيد الذي سيعتمد عليه عزيز لإنجاح مرشحه "الطائر النادر"؟ أما هل سينجح في تسييره بعد الانتخابات؟ فتلك قصة أخرى.. بصفة موضوعية، يتمتع الرئيس عزيز برصيد كبير على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهو قطعا قابل للتسويق بشكل جيد، لكن الدفاع عن فساده وفساد محيطيه الخاص والعام - إذا صحت الشائعات المتداولة وثبتت بالأدلة- فهو عملية شبه مستحيلة ولا طائل من ورائها.  

أما بالنسبة لقوى المعارضة، فرغم ضعفها وهشاشتها وتشرذمها، فإن كشف الرئيس عن أوراقه أمامها بشكل مبكر، سيعطيها، بلا أدنى شك، الوقت  الضروري الكافي ربما لتجاوز خلافاتها وتوحيد قواها خلف مرشح قوي، وهو أمر قد يفرض تغيير المعطيات على الأرض، وينسف أجندة الرئيس عزيز، الطامع في الحفاظ على الحكم بالريموتكنترول، ويسفه أحلامه الطامحة  إلى الرجوع إليه بعد عدة سنوات.

أما على مستوى حسن تقدير الظروف الدولية، فربما لن تكون أمام مشروع الرئيس عزيز عقبات تذكر باستثناء بعض الأمور الشكلية، مثل حرص المجتمع الدولي على تنظيم انتخابات رئاسية شفافة من الناحية "الفنية"، وربما كذلك تسليط الكثير من الأضواء على تلك الانتخابات.. ورغم ذلك، فلم تكن إجابات الرئيس عزيز في الشق الدولي من المقابلة موفقة بالمرة.. فمثلا قوله بأن "أمريكا بعيدة عنا" هو تعبير متعجرف من الناحية الدبلوماسية وغير دقيق من الناحية الموضوعية، خاصة في وقت تمر فيه العلاقات الموريتانية-الفرنسية  بمستوى كبير من التوتر؛ كذلك القول بأن علاقات موريتانيا مع المغرب -الذي هو قريب منا- "ليست بهذه الدرجة من السوء"، فهو يكاد يخفي نوعا من الأسى على وجود هذه العلاقات أصلا..

على كل حال، سيتضح بعد عدة سنوات بأن ما قاله الرئيس عزيز في مقابلته تلك مع فرانس24، ربما كان إيذانا ببداية العد التنازلي لحكمه.. ولو قدر أن طلب مني الرئيس عزيز استشارة في الموضوع، لنصحته بأن يحمل حقائبه بعد انتهاء مأموريته، ويحسن فعلا بترك النخب السياسية في موريتانيا تتفاوض من أجل الدخول في مرحلة انتقالية تتم خلالها إعادة ترتيب البيت الموريتاني على أساس تفعيل مسار الانتقال الديمقراطي من خلال ديناميكية التجاذبات السياسية والتنافس السلمي العقلاني بعيدا عن المغامرات غير المحسوبة العواقب.

 

نتمنى على الفاعلين السياسيين جميعا، في الداخل والخارج، بأن يتحلوا بالمسؤولية والصدق مع الذات ومع الشعب في تعاطيهم مع المعطيات الجارية والتي ربما ستجد على الساحة في الأشهر القليلة القادمة.. وأن لا تذهب بهم طموحاتهم الشخصية وعواطفهم الذاتية بعيدا عن جادة الصواب، بما يحفظ الاستقرار السياسي في البلاد، ويعزز فرص التنمية المستدامة فيها، ويكرس التناوب الديمقراطي السلمي، ويحقق قيم العدالة والإنصاف لصالح الجميع..

 

محمد المخطار شنقيط

مشروع رؤية موريتانيا