قال الرئيس الموريتاني من ضمن ما قال في تصريحاته الصحفية الأخيرة التي عقبت صدمة اسقاط الغرفة الثانية من البرلمان للتعديلات الدستورية المنبثقة من الحوار المنظم في شهر أكتوبر الماضي من السنة المنصرمة ، أن الدولة لا تحكم بالعاطفة وأن أمور السياسية والإصلاح لا يجب أن تحاذيها العاطفية الهدامة ، وهذا كلام صحيح في مضمونه لكن لو نظرنا إلى قائله ليس كشخص بل كفاعل ومسير للدولة وسيد مسؤول عن النظام وعن الأمن والعدالة الاجتماعية ، فما هي النتيجة التي ستأتينا من كل ذلك؟
فالرئيس “حامي الدستور الحاكم بالقانون” لا يطبق القانون في كثير من أموره ، أقصى أقواما ليس لشيء سيئ ارتكبوه وإنما لموقف شخصي منهم ، جعلهم خلف السياق وأرهب بإعلامه وبتصريحاته الناس منهم ، وليس هذا فقط بل ثمة الألوف من الرجال الصامتة أو المتكلمة بما ليس في قلوبها تحسُ بالتهميش والإقصاء أكثر من أي معارض مصرح بمواقفه اتجاه النظام ..
مسألة واحدة متأكد منها لم تتحقق بعد وأعرفُ أنها ستحدث من حيث لا يدري الرئيس ، وهو أن الكأس التي سقاها للرؤساء قبله سيتجرع منها نفس المرارة التي خبروا من فعل غدرا أو مكرا حتى أُبعدوا عن السلطة بها ، فأي الكؤوس سيدير لذلك؟
هل سيرتشف بقايا كأس ولد الشيخ عبد الله الآسنة والتي لم تنضب قطراتها المرة بعد رغم طول السنين وتتابع الأيام ؟ أم سيشرب من كأس المرارة التي سقى لولد الطايع بعد أن كان من ثقته وأمنه على بيته وقصره وخاصيته؟.
الأولى هناك ملامح لحدوثها كما وقع مع الشيوخ منذ شهر والثانية لا ندري ما وجاهتها الآن رغم جهلنا لكواليس ما يدور سرا ، لكن نفس أعداء ولد الطايع الذين ذهب عنهم وهم في السجون هم الآن ضد هذا الرجل بعداء على نفس الدرجة والمستوى من العداء السابق لولد الطايع ، ونفس الكلام والحجج التي كان ولد الطايع يخرج بها ويتكلم هي ما ينطق ولد عبد العزيز بها في لا وعيه رغم جهله تلك الحقيقة المرة ..
إذن عزم ولد عبد العزيز وقرر الذهاب إلى الاستفتاء وأعلن عن تاريخ ذلك الاستفتاء وعن استدعاء اللجنة الوطنية للانتخابات من أجل مراجعة اللائحة الانتخابية لعام 2014 ، ولم يبالي لا بالمعارضة الداخلية التي تنخر جسم أغلبيته وتعيق الحركة الثابتة والمتوازنة مع قرارته السامية فيها ، ولا بالمعارضة الممانعة المرابطة على ثغور الرفض والمقاطعة منذ سنين ، هو أمر سيكون له ما بعده بالتأكيد …
لكن لو حكّم الإنسان عقله وتساءل عن الأمر الذي جعل هذا الرئيس يذهب إلى هذا الاستفتاء فما هي الاحتمالات والمبررات إن وجدت لذلك.؟
لستُ قانونيا ، لكني اطلعتُ على نسخة من قانون 1991 وتقول المادة99 بالحرف الواحد ” يملك كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مباردة مراجعة الدستور .
لا يناقش أي مشروع مراجعة مقدمة من طرف البرلمانيين إلا إذا وقعه على الأقل ثلث (3/1) أعضاء إحدى الغرفتين.
لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا(3/2) أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا (3/2) أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء. ”
وهذه المادة من الباب الحادي عشر الذي هو معنون ب”حول مراجعة الدستور”
أما المادة 38 في هي بالباب الثاني المعنون ب”حول السلطة التنفيذية” أي صلاحيتها وقد جعل لها المشرع الموريتاني سلطة مطلقة بحيث لم يساوي ولم يقارب بينها مع صلاحيات السلط الأخرى ، وتقول المادة 38 بالحرف الواحد ” لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية”.
وهنا أقف عند العبارة التالية ـ الأهمية الوطنية ـ أي أهمية وطنية في تغيير العلم أو النشيد أو إلغاء المحكمة السامية ، إذا ما اعترفنا بأهمية المجالس الجهوية ومردوديتهم إن كانت المصلحة العامة مقصدا من ذلك على المستوى الوطني …
لا شيء يذكر ولا تعني الأهمية الوطنية سوى انتماء الدولة والشعب الإقليمي وهويتهما الإسلامية والعربية وضمان استقلال الدولة وحفظ أراضيها وتقوية وحدتها الوطنية عن طريق الإصلاح الاجتماعي والثقافي والاقتصادي حتى ، فأي علاقة للعلم أو النشيد أو محكمة العدل السامية في ذلك ؟
أعتقد أنه يمكن للقارئ المتجرد من مواقفه السياسية ومصالحه الضيقة أن يكتشف العلاقة بنفسه .
القضية ليست بالمستوى البسيط القضية لا تعني أكثر من انقلاب صامت داخل الأغلبية لا نستطيع بعد التكهن بنتائجه ، رغم كل الإشارات التي تُثبت نهاية النظام الحالي .
فالرجل القوي الذي أمسك بزمام الأمر وراء الكواليس وصارت الناس تبحث عنه خلفها وتمهد له الطريق الذي يحبُ ويشتهي سرا وعلنا في زمن المغدور ولد الشيخ عبد الله قد تلقى الضربة من مأمنه للأسف ، ولم يعد بمقدوره السير كثيرا رغم محاولته إيهام الناس عكس ذلك .
لذلك اقترح على الشيوخ المغاضبين أن يتقدموا هم الآخرين بمبادرة تعديل الدستور على المقاس الذي يرضوه هم من كسر إرادة الرجل المهزوز ، فالمادة 99 تخول لهم ذلك بالقدر الذي تخوله للرئيس