هي قصة فتاة موريتانية حدثت في الواقع ,وما زال الكثير من مَن عاشوا فصول هذه القصة أحياء يرزقون , ويكاد الجميع يتفق على صحتها ووقوعها.
إنها الفتاة زينب منت ابّ..وحيدة أمها ..لها إخوة غير أشقاء... بالكاد تعرفهم ويعرفونها ,لم يتقربوا منها ولم يعاملوها كأخت يتيمة حين كانت في مرحلة الطفولة وهم رجال ,من بينهم مَن أنجب الاولاد ومَن لم يدخل القفص الذهبي بعد ,لكنه بلغ مبلغ الرجال.
سهرت والدتها على تربيتها ,ساعدها في ذلك وجودها بين أخٍ كريم رحيم وأختٍ شقيقة تكبرها سنا كانت لها بمثابة الام الحنون ,لذلك لم تشعر مريم "والدة زينب" بعبء كبير بعد وفاة زوجها الا ما كان من صعوبة الفراق واليتم بسبب فقد ابنتها لوالدها.
لم تبخل مريم على وحيدتها بما تحتاجه من العناية والرعاية والتعليم ,فلم تبلغ العاشرة الا وهي حافظة مجودة لكتاب الله عز وجل وبعد سنتين استكملت حفظ وفهم : الاخضري وابن عاشر والرسالة في الفقه والاضاءة في العقيدة وعبيد ربه وملحة الاعراب في النحو ,وفوق ذلك كانت تحفظ عددا من دواوين الشعر وتقرضه أحيانا.
كانت مريم تتباهى بابنتها وتفتخر بذكائها ـ وحُقَّ لها أن تفتخر ـ وأحيانا تضحك في دعابة وتقول : زينب عوضتني عن الابناء الذكور ,لكن مريم تريد وابنتها تريد ولا يكون الا ما يريد الله.
ذات ليلة ماطرة أعقبتها رياح "غربِيَّة" باردة تنادي مريم ابنتها: زينب "لَبْسيني بردانه" فتمتثل لأوامرها وتلفُّها ببطانيتين قطنيتين دافئتين وتنام بالقرب منها , لكنها كانت النومة الاخيرة لأمها فلم تقُم من مكانها الا الى قبرها.
جُن جنون زينب..أصيبت بالانهيار والضعف..اعتزلت العالم من حولها..كانت كثيرة البكاء والحزن , لم تُشاهد بعد ذلك وهي تبتسم أبدا حتى جاء ذلك اليوم الذي استيقظت فيه مبكرا وأخذت بعضا من الاواني والاغراض الشخصية كالملابس والحلي وحملته معها وبدأت تدور به وتوزعه على الاقارب والجيران وهي ضاحكة مستبشرة لأول مرة ,وعندما يسألها البعض تقول :
أنا اليوم في غاية السرور والفرح...غدا سأذهب الى أمي مريم.
اعتبر الكثيرون كلامها مجرد هذيان وردة فعل للصدمة التي أصيبت بها جراء موت أمها المفاجئ الا خالتها فكانت تبكي وتقول لمَن حولها :
زينب فتاة صالحة من صغرها ولن تكذب أبدا وأخشى أنما تقوله سيتحقق ,فيردون عليها : تفاءلي خيرا ,فزينب في كامل صحتها وشبابها ,لكن طيف والدتها لم يفارق مخيلتها ,لذلك تقول ما تقول.
في صباح اليوم التالي أشرقت الشمس ولم تقم زينب من مكانها على غير العادة ,فذهبت اليها ابنة خالتها آمنة فوجدتها مبتسمة لكن روحها قد عادت الى بارئها والتحقت بروح أمها كما قالت بالامس