طالب الأستاذ الدكتور عبد الله السيد، مدير بيت الشعر- نواكشوط الشعراء العرب بالمبادرة إلى تحمل مسؤولياتهم الإبداعية والتاريخية، والسعي الحثيث لتطوير التجربة الشعرية العربية والارتقاء بها نحو ما يخدم نشر ذائقة الجمال والإبداع ويعمل على خدمة اللغة العربية.
وأكد ولد السيد أن التجارب الشعرية المعاصرة تجارب كبيرة ومتنوعة ومثمرة، معلنا اعتزازه بكون بيت شعر نواكشوط يحتضن كل هذه المدارس بما تحمله من تميز ومجايلة.
وقال: إن التطور سنة الكون، وإن الشعر رافعة الأحلام التي أزهرت في كنفها آمال البشرية، ومنح الإنسان من خلالها أجمل المشاعر والأفكار والقيم والأصالة.
وشدد ولد السيد أن العالم اليوم للأسف يشهد سفك الدماء في عدة مناطق وبلدان جراء انتشار فكر التطرف والعنف الذي يعادي بطبيعته مصالح البشرية.
وقال إن على الشعراء مواجهة فكر التطرف والظلامية بسلاح الإبداع ونشر قيم التسامح والأخوة التي ترتقي بالحضارات الإنسانية وثقافاتنا ومعارفها، مذكرا بأن القلم هو محور النماء ورقي وتطور البشرية.
وكان ولد السيد يتحدث مساء أمس (الخميس) أمام عشرات الشعراء والمثقفين الموريتانيين ووسائل الإعلام في أمسية أدبية نظمها بيت شعر نواكشوط في مقره إحياء لليوم العالمي للشعر.
وشارك في الأمسية، التي قدمها الكاتب محمد الأمين محمد، كل من: صاحب السعادة الشاعر محمد ولد الطالب، والشاعر سيدي محمد محمد المهدي، والشاعر سيدي محم صالح، فيما أطرت موضوعها العام الكاتبة والإعلامية مريم بنت أمود، التي قدمت ورقة تحدث فيها عن سياق اليوم العالمي للشعر وتاريخ الشعر في المنطقة العربية، وصولا إلى المدارس الشعرية العربية، التي عرفت بأنواعها من خلال الشعراء الموريتانيين (نموذجا).
هذا، وتميزت الندوة الأدبية مساء أمس باستماع الحضور لتجربتين شعريتين، تمثلان تيارين داخل المدرسة الشعرية للجيل الجديد في البلاد.
وكشفت القصائد، التي أنشدت عن هيمنة المجاز على لغة الشعراء الشباب، فيما بدا واضحا أن ما يمكن تسميته بـ"اللغة النباتية والبحرية" أخذت تزحف على التجارب الشعرية الموريتانية الجديدة، وهو أمر لافت بالنظر إلى أن القصيدة الموريتانية غالبا ما ظلت توصف بـ"قصيدة الصحراء"، وفي عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم أخذت تلك القصيدة حمولتها من قاموس التصحر والجفاف.
كما كشفت الإنشادات الشعرية في هذه الأمسية أن "المدينة وملحقاتها" لم تتمكن من النيل من قصيدة الحب وشاعرية العشق، فالجيل الشعري الجديد جيل حجز للحبيبة في أوردتهِ، وبإصرار لا يقل فولاذية عن أجداده من مجانين الحب (يا سترة الليل نادي الإلفَ وانتظري// شفاه جدبٍ قد ابتلت من القُبَلِ).
في قصيدته "ذاتية الفجر القاصي"، أنشد الشاعر سيدي محمد محمد المهدي":
ثلاثونَ عاماً
نَجرُّ غُبارَ المتاهات صَوبَ المدَى!
أحِنُّ لِماضٍ كَوَهمِ السراب.. كَلون الرمادِ
غِنائي بكاءٌ.. بُكائي غناء!!
أنا يا عسِيبُ طريدُ المنافي!
سَليلُ غَطاريفَ مَرُّوا هناكَ
بِخطوٍ حثيثٍ
وَصوتٍ بَحيحٍ!
لَعلَّ بِصَمْتي وَلَونِ رِدَائي
تَثورُ عَلى الكُسَعِيِّ الظِّباء..!!
تركتُ بِها صَوْلَجَانا !
وَسَيفاً وناياً!
وَخُبزَ الظهيرةِ !
عُودَ الحَصيرَةِ !
نارًا تُكَفْكفُ دَمعَ الجياعِ
إِذا ما تهاطلَ بردُ المسَاء!
سَنابِكُ خَيلي مَرايا عَجُوزٍ
تَقُصُّ على الناسِ
ما كانَ منِّي ومَا سيكونُ
وكانتْ مزاميرُ جَدِّي حداء
يُشَكِّل بالظِّلِ كفًّا !
تفكُّ طلاَسيمَ قفرٍ
يعانق فيها الخلاءُ الخلاء!
كما أنشد قصيدته "انشطار الذات":
ناديتني الآن يا سلمى على عجلِ
وجئتِ تهذين بالرؤيا على مهلِ
أهديتني كحل أجفان برفتها
سهم المواجعِ مغروسٌ بمبتهلِ
يا نارُ كوني على أنفاسنا بَرَدا
واستلهمي جذوةَ "النمرودِ" بالأزَلِ
أنا "الخليل"ُ وكف الزهو يدفعني
أمشي "ملاكا" بلا خوف ولا وجلِ
حطمتُ كل تماثيلِ الجوى فبدت
كوغد خمرٍ على أعتابه ثَملِ
يا سترة الليل نادي الإلفَ وانتظري
شفاه جدبٍ قد ابتلت من القُبَلِ
هل وجهُكِ الحلوُ إلا ما ألامُ به
أو شعلةُ الكفِ إلا شرفة الأمَلِ ؟!
أنا المسافر في عينك يلمزني
مس من الجن أم مسٌ من الخجل؟!
أستنطقُ الدهرَ عرافا لشهقتهِ
لألبس الكنه منسوجا من الدجلِ
ضج المداد بأحداقي وأوردتي
وانداح ظلي بأحلام من العسلِ
تلك الأماني جهامُ الصيفِ نكهتها
لا جد فيها لمشتاقٍ من البلَل
يا صاحب السجن أقصر فالعباب دنا
فأي مرتفع ينجيك أو جبل ؟!
وأنشد قصيدته "عتمة الرؤى"، التي يقول مطلعها:
في عَتمةِ الليل – يا سلمى- الهوَى أَرَقِي
وبيدَقُ الشوقِ ملءَ الروحِ والحَدقِ
تقتَاتُ من شَفَتِي الأحلاَمُ بُلْبُلُها
طيفُ من الصبح والإِشْراقِ والشَّفَقِ
سَكَبْتُ دَمعِي علَى أجفَانِ مُهجتِها
فاجتاحَ جنبي بريدُ الوجْدِ بالغَسَقِ
مالي أُكَتِّمُ هذا الحُبَّ وا أسَفِي
أم هلْ تُكَتَّمُ آهاتٌ لِمُحْتَرِقِ؟!
تَبْكِي الكَواكِبُ إن ضاق المدى أُفُقاً
وَالشَّمسُ تَجْرِي إِلَى استِقْرَارِهَا أُفُقِي
جَفَّ المِدَادُ عَلَى أهدَابِ مُؤلِمَتِي
وَتَاهَ خَطْوِي عَلَى أَعْتَابِ مُنْزَلَقِي
يَبْكِي الغَمَامُ بِدَمْعٍ هَامَ مُنْهَمِرا
يودِّعُ الإِلْفَ مِنْ خَيَّالَةِ الطُّرُقِ
ناديت عشتار بوح الهم في شفتي
وهي الرباب كوهج الشمس بالأفق
من يركب البحر وجه الغيب يرقبه
يغنيه بالدر أو يفنيه بالغرق
أَمَا عَلِمْتِ إِذَا ما الخَطْبُ رَغَّبَنِي
وَأشفق اليَمُّ في الإِبْحَارِ من فرَقي
هَلْ أطْلُبُ الدُّرَّ إلاَّ مِنْ مَكَامِنِه
أو أنثر البوحَ إلا في ربى ورقي ؟!
إنْ لاَحَ شَرٌّ من الشَّيْطَانِ مُقْتَفِيًا
قَرَأْتُ بالنَّاسِ والإخلاصِ وَالفَلَقِ.
في قصيدته "خيبة شارع القد " يرسم ضيف الأمسية الآخر الشاعر سيد محم صالح "صافرة السراب"، لكن بأجراسه وألوانه الخاصة، يقول:
وأفِرُّ منْ ذاتِي
إليْهَا
عَلَّ صَافرةَ السَّرَابِ اليوْمَ تَمْنَحُنِي العُبُورْ
أنَا كادحٌ يَسْتَلُّ مِنْ عرقِ المجازِ عَجِينَهُ
لِيَدُسَّهُ قُوتاً بذَاكرةِ الجِيَاعْ
مُتَبَلِّلٌ بخَطِيئةِ الرِّيحِ التي نسفتْ ورُيْقَاتِي لنافذةِ الضَّيَاع .
ويقول:
مُتَسَكِّعٌ...
خَلْفِي صِغَارٌ
أَرْبَعونَ
يُقَشِّرُونَ غِلَافَ أَغْصَانِ الغَدِ المَجْهُول..
يَنْتَظِرُونَنِي عَلِّى أعُودُ بِعلبةِ الحلوى التي مَنَيْتُهُمْ - حلما- بهَا
لكِنَّ خَيْبَةَ شَارِعِ القَدَرِ اسْتَدَانَتْ كُلَّ نَعْنَانِي
فُعُدْتُ بِلَا..... ولا ....
إلى أن يقول فيها:
قَدَرِي الضَّيَاعُ فهلْ سَتَبْسَمِ الدُّرُوب؟
لِيَضْحَكَ الماءُ الخَنِيقُ بِوِجْهَتِي المُتَصَحِّرَهْ.
وفي قصيدته "تَعشْتري في سمَاء الرقْصِ"، يقول:
أُصَالحُ الغيْمَةَ الحُبْلَى بأخْيِلَتِي
عَلِّى أُرَوِّي شُحُوبَ الوَقْتِ بِالزَّلْفِ
مُنْذُ انْكِسَارِ زُجاجِ الماءِ مُغْتَرِبًا
يُصَوِّرُ الشَّوْقُ لِي فِي حَدِّهِ حَتْفِي
مَا عُدْتُ إلاَّ لِأَحْيَا فيك آخِرَتِي
فقدْ مَضَى مِنْ نُعَاسِ الشَّمْعِ مَا يَكْفِي
نُبُوءةُ السُّكْرِ في عَيْنَيْكِ مُرَسَلةٌ
ولهْفَةُ الثَّغْرِ أفْشَتْ كُلَّمَا تُخْفِى
فَلْتَرْقُصِي لِي هُدُوءَ الليْلِ عَاريةً
لِيَسْكَرَ الضَّوْءُ في الأرْجَاءِ مِنْ عَزْفي
أنَا انْبِعَاثُ رَبِيعِ الزَّهْرِ فيكِ
فَرَاشَتِي
فَلَا تُنْكِرِي مَا خَضَّرَتْ كَفِّى
لَوْلاَ ضِفَافِي أَكُنْتِ اليومَ سُنْبلةً
تُعْطِى الكُرُومَ ولاَ تَخْشَىي منَ الصَّيْفِ
ما شِئْتُ غَيْرَ رِضَا نَهْدَيْكِ باعِثَتِي
عَيْنَاكِ فَوْضَاهُمَا قَدْ دَرْوَشَتْ حَرْفِي
وأنشد أيضا قصيدته "انتفاضةُ هَامش":
على كَتِفِ الأشواكِ
ظِلِّي تَكَوَّمَا
لِيَمْنَحَ أسْرَابَ الضَّياعِ تَبسُّمَا
عَجنْتُ لهمْ قَمْحَ المجازِ
مَوَائِداً
لِتَهْنَأَ رُوحُ الطِّينِ فِيهمْ وتَنْعَمَا
أنَا مِخْيطُ المكلومِ ..
وجْهُ شُحوبه
نبيٌّ لِوَحْيِ العُشْبِ جَاءَ مُعَلِّمَا
أُمَوْسِقُ فِي وَجْهِ الطِّرِيقِ
سنابلِي
ليرْقُصَهَا شَلاَّلُ دمْعٍ تَألَّمَا
لماذَا لُغَاتُ الموجِ
تَسْكُنُ حِبْرَنا؟
تعانِقُ ظِلّ الماءِ أيَّانَ يَمَّمَا
نُبُوءَةُ فرْعونٍ نُعَلِّمُهَا
الصَّبِيَّ
في مهْدهِ منْ قَبْل أنْ يَتَكلَّمَا
لماذَا لماذَا نَفْصِلُ الورْدَ
شَوْكَهُ
أليْسَا وَلِيدَيْ لحْظةٍ قدْ تَبَرْعَمَا؟
وتُوهِمُنَا المِرْآةُ
أنَّا مَلاَئكٌ
وسُرْعَانَ ما يُعْرِى الصَّبَاحُ التَّوَهُّمَا
تُجَاذِبُنَا أَجْراسُ قَابِيلَ
عِرْقَهَا
لنَصْلُبَ مَعْنى مِنْ رُؤانَا تظَلَّمَا
ولَكنّ مَدَّ البَحْرِ حتّى وإنْ
تَثَاءبَ
المَوْجُ يَوْماً مَا يَهِيجُ لِيَحْكُمَا
علَى شَاطِئِ الوَخْزِ
انْتِفَاضَةُ هَامِشٍ
أرَاهُ شُحُوبُ الرَّمْلِ مِنْ شَفْرتَيْهِ.. مَا..
فَحَلَّقَ حيث الرَّقْصِ
أذَّنَ نَايُهُ
وحَيْثُ نَسِيجُ الضَّوْءِ للِصُّبْحِ نَغَّمَا
لِيُوقِظَ شَمْعاً شَارِداً
ذَابَ مِلْحُهُ
بِنَافِذَةِ المَجْهُولُ مُذْ زَمَنٍ .. وَمَا.