نظم بيت الشعر- نواكشوط مساء أمس (الخميس) أمسية شعرية ضمن سلسلته "تراتيل الأصيل"، وذلك وسط حضور كبير للنخبة الشعرية في البلاد، وخاصة جيل الشعراء الشباب الذين يسجلون حضورا متصاعدا في التجربة الشعرية الموريتانية الحديثة.
وحضر أيضا عدد وافر من كبار أساتذة جامعة نواكشوط العصرية وشخصيات ثقافية بارزة.
وأحيا الأمسية، التي أدارها الشاعر محمد الأمين لكويري، الشاعران: محمد الرضى ابلول (من مواليد 1994)، وجابر محمد المصطفى (من مواليد 1999)، حيث تعرف الحضور على تجربة هذين الشاعرين الشابين اللذين يمثلان طليعة جيل شعري جديد يتعرف عليه الجمهور الموريتاني لأول مرة من خلال بيت الشعر - نواكشوط، ويتميز هذا الجيل بازدواجية تعليمه؛ حيث يتلقى التعليم الجامعي وفي الوقت نفسه ينهل من المعارف الأصيلة في "المحاضر" (الجامعات البدوية الموريتانية) الشهيرة.
وأوضح نقاد يعملون أساتذة جامعيين، عقب الأمسية، أنهم يلاحظون تسارع وتيرة التحديث في القصيدة الموريتانية لجيل الشباب، مثمنين رصانة هذه القصيدة في سموها اللغوي، وإنسانية طرحها الفكري والثقافي مع تمسكها الشديد بثوابت الأمة.
وبدأت الأمسية مع كلمة للشاعر محمد الأمين لكويري أعرب فيها عن امتنان الشعراء الموريتانيين للمبادرة الرائدة التي أطلقها ويرعاها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة؛ خدمة للشعر العربي واللغة العربية من خلال افتتاح بيوت الشعر، مشيدا بإدارة بيت شعر نواكشوط، التي وفرت البيئة الملائة لخدمة إبداعات الشعراء الموريتانيين دعما ونشرا وتشجيعا، ومن أهم سمات ذلك ربط الصلات الوثيقة بين الشعراء والجمهور، وخدمة جميع المدارس والتيارات الأدبية والشعرية.
وقدم ولد لكويري نبذة عن حياة ضيفي الأمسية، متتبعا مسيرتهما التعليمية، وقارن بين بعض نصوصهما، معربا عن إعجابه بجزالة لغة الشاعرين وثقافتها بموروثنا الشعري، مسلطا الضوء على نظريات شعرية عن الشعر عند قدماء المبدعين العرب.
بعد ذلك استمع الحضور إلى الشاعر محمد الرضى ابلول، الذي قرأ ثلاث قصائد من مجموعته الشعرية بدأها بقصيدته "سعي لهاجر.."، التي يقول مطلعها:
عبرت ليلي وما ألفيت منحدرا
وخضت بحر الرؤى أستنشق الفكرا
وحدي وعند بلاط الروح خفت صدى
نادى شرايين قلب كان منكسرا
وقفت جنب الهوى حيران ذا وجل
أكابد الهم والتحنان والسهرا
علي أصادف حرفا أستميل به
معنى وأرسم في أفق المدى صورا
كلي يمام حزين الوجه قد عصفت
به السنين زمانا فانبرى حجرا.
إلى أن يقول:
تتلو العصور على أبنائها جملا
وقصة تنثر الأشواق والبشرا
أيام كان خليل الله أخلصه
لصلبه من لهيب يقذف الشررا
سعي لهاجر والدنيا قد انفجرت
ماء ويا رب أمن وارزق الثمرا.
كما ألقى قصيدته "عسل على أحلام عاشقة الصباح.."، ومطلعها:
بعد يئن وماء لحظ عرس
لهما على أصقاع قلبك نخس
تطغى الليالي لو رسمت جمالها
وطفقت من عسل الصبابة تحسو
جنح الهوى وهواك يبقى سره
سريان مجد قد حواه الرمس
شنب الحياة مقبل أحلامنا
ولدفء كفيها علينا لمس
وذهولنا يجتاح مثل بلابل
تنساب إن جمحت وإلا تقسو
لا ضوء أحمر والذميل لهوة
مشنوقة ينداح منها البأس
قتل الصراخ مداه في أحداقه
والنيرات اغتالهن اليأس
وإذا أرادت أي بنت بعثها
هتكت بها جن الغوى والإنس
تختال رابية التوجس في ضنى
أفشى الوراء بساعديه النحس
وكأن شيئا لم يكن يا للنزاهة
والحقيقة هل دهاها حبس
أملا على كتفي حملت ومقلتي
مبيضة فمتى تعود الشمس
هل من يمد يدا إلي محاولا
درأ السنين وأن يزحزح لبس
فنفجر الحزن الجديب خمائلا
ويدك أشباح التفرد أنس
وتنمق الأشياء في أبعادها
مخضلة مما جنته الخمس
ويختمها بقوله:
فلنا مع الماضي الشهي حكاية
قنع الزمان بها وجادت نفس
يا حاضر الأوقات فاقرأ نابها
آثار ما أملى عليك الأمس.
واختتم قراءته الشعرية بإنشاد قصيدته "ذهب الصحراء"، التي يقول في مطلعها:
رغم القتام الذي بالشمس تسدله
يصد من لؤلؤ الأيام أجمله
فلا مرايا الحنين المر خاطفة
له وليست رياح الحب تحمله
يمضي وفي الأعين الحرا يردده
وقع المداءات والأنفاس تهمله
يمضي ومن خلفه الأحلام نائمة
والليل عن ورقات الصبح يعزله
كأن أقلامه سدت معابرها
ومفردات أبي العشاق تخذله
والسائرات على إيمائه اقتحمت
هواجس الحرف تغريه وتعذله
أين الحمام الذي غنى بساحتنا
أنشودة الماء إيقاعا نرتله
أردى صراخ القوافي فأر مأربها
لم تأت من ولد إلا ويقتله
وتقذف الجمر في البستان مزنته
تضفي عليه يديها ثم تشعله
منقضة باحتمالات السراب أسى
كم أوقع النجم عند الحد أوله
إلى متى نتزيا كل عاصفة
مرت ونهوي لما تملي ونقبله
اليوم يستلم التاريخ بسمته
ويستريح من الإعيا تخيله
هذا خيارك يا من جئت منتهكا
وما عليك له إلا تحمله
إنا ملوك الرؤى والحرف أخيلة
يستورد البعد شرواها ويرسله
ونحن من ذهب الصحراء قصتنا
يفيض إشراقها لو غاض موئله
نحن النخيل وشلالات أودية
تنهال إن أبصرت خصبا تقبله
هي المنارة في شنقيط جوهرة
يثور من رملها الأحلى تهللُّه
بدوره قرأ الشاعر جابر محمد المصطفى أربع قصائد تمثل تجربته الشعرية، وبدأها بقصديته "سردٌ لسيرةِ الوجع"، التي يقول مطلعها:
إذَا ما رُحْتُ تلفَحنِي المَآسِي
وأرجعُ علَّ نبضَكِ لِي .. يُوَاسي
أسيرُ إليكِ .. بِي ظمأُ وشوقٌ
لأَشرَبَ منْ جفُونِكِ ألفَ كَاسِ
أرَانِي !! كيفَ تنزِفنِي الثواني
وظِلُّ الموتِ منها في انْبِجاسِ
ورائِي نصفُ حرفٍ قد تشظَّى ..
ورَائي المَوْجُ يَشْدُو للْمَراسي
إلى أن يقول:
تعاليْ أنتِ !! .. نلهُو .. وَالمقَاهي
تُناجِينَا .. ونَهْمس للْكرَاسي
ونعزِفُ .. هل ستُطربُنَا الشوَاطِي
إذا ما البحْرُ أطرقَ في احْتبَاسِ .. ؟
ورائِي آدَمِيٌّ .. قد تجلَّى
ليقْرأَنِي .. ويمْعِنُ في الْتمَاسي ..
أنَا .. ملْحُ الصحارِي ذاتَ توْقٍ
أنَا .. وجَعِي المضَمَّخُ بالمآسِي
أُحاوِل رسمَ خارطةٍ لِمنفىً
بعيدٍ .. ثمَّ أوغِلُ في التباسِي
أسافرُ .. علَّ تحْضِننِي المنافِي
لعلَّ خطايَ تشرَعُ في اقْتِباسي
سأرْجعُ .. حاملاً نبْضَ ارتباكِي
أزَمِّلُ في مرايَايَ انغِمَاسِ.
ويقول ايضا في قصيدته "إليك .. يَا":
يا ذات عينينِ ..
صبي الحبَّ أرشُفه
ذاتَ انتشاءٍ ..
وطعم الحبِّ أعرفهُ
فيكِ اتقَدتُّ ..
أرى الأشياءَ ضاحكة
حولِي ..
ويعزِفني الجِيتارُ / أعزِفُهُ
أراكِ في بسْمَةٍ كانت ممزقةً
في وجهِ كادحةٍ ..
حُلماً ستقطِفُهُ
خذي إليكِ دمِي ..
قد صرتُ فيكِ دماً
مُلطَّخاً بالهوى..
لا شيءُ يوقفُهُ
يا أنتِ ..
مهما ابتعدتِ ..
الحبُّ بوصلةٌ
ونبضُ ذكراكِ في بالِي ..
أُأَرشفُهُ
هشٌّ حضوري ،
إذا ما مسَّه حزَنٌ .. يأتِي حضورُكِ، موسيقَا،
فيَنْسفُه
يا أنتِ ..
أنتِ زليخايَ التِي انتبذتْ مني فؤاديِ :
أنا للحبِّ يوسفُهُ
كما قرأ قصيدته "عـيـْنـاك"، التي يقول فها:
عيـْنَاكِ كـَابُـوسٌ يـُأَرِّقُ مـُقـْلَتِـي
فيـُصِيبـُنِي بـِالْهـَمِّ وَالإِرْهـــَاقِ
عـَيْنَاكِ سـِرُّ شَـقَاوَتـِي وَسـَعَادَتِي
عـَيناكِ مـَحْضُ بـِدَايـةِ الإِشــْرَاقِ ..
أَنـَا فـِي هـَوَاكِ سـَجـِينُ حـُبٍّ .. وَالـِهٌ
مـَنْ ذَا يـَمُنُّ عَـلَيَّ بـِالْإِطــْلاَق ِ؟ ! ..
غـَادَرْتـِنِي يـَوْمَ النــَّوَى فـَتَفَرَّقــَتْ
أَشـْلاَءُ قَـلْبـِي .. وَانتـَشَـتْ أَشْوَاقِــي
أتـَريْـنَنِـي أَحـْيَا إِذَا أزِفَ اللــِّقـَا
إنِّـي أَمُـوتُ ولَاتَ حِيـنَ تـَلاَقِ !!
نَغَـمَاتُـكِ الحَـسْنـَاءُ تَبـْعَثُ فـِي دَمـِي
رُوحَ الـْحَيَـاةِ وَيـَنمَّحـِي إِخْـفَاقـِي
إلى أن يقول فيها:
أَنَّـى لِحـُبِّـكِ أَنْ يَشـِيخَ أَمـِيرَتـِي ..
بـَلْ إِنَّ حُبـَّكِ فـِي فُـؤَادِي بـَاقـِي !..
أَيـْنَ الـْمَصِيرُ وَأَيـْنَ أيـْنَ نـِهَايـَتِي ؟
مَـاذَا أُكـَابـِدُ مِ الْـهَوَى وَأُلاَقــِي..؟!
جابر محمد المصطفى اختتم قراءته الشعرية بقصيدته " خطوة الليْل"، ومطلعها:
من خطوةِ الليْل ..
إذْ أمشِيهِ أرتَعدُ
من لحظةٍ .. حارَ في استيعابها الأبدُ
من رنةٍ ..
زفرتْ في كفِّ عازفِهَا
أو صورةٍ .. غابَ في تأويلها الجسدُ
أجتثُّ روحكِ ..
أنثَى تشتهينَ دمِي
وتُخمدينَ انتظارِي آنَ يتَّقدُ
يا وجهَكِ .. اللَّا تزالُ الأغنياتُ بهِ
تمتَدُّ منهُ ..
صداهَا ما الهوى يعِدُ
تخضرُّ ذاكرَتِي إنْ ما مررتِ بهَا
غيماً ..
ويُزْهر في حقلِ الزمانِ غدُ
أخافُ يذهَبُ من عيْنَيكِ لونُهُمَا
فأَستقِيلُ من المَعنى .. وأَبتعِدُ
أصيحُ بالعابرِينَ الوَقْتَ ..
علَّ فماً
يضِجُّ باسمِكِ في ذِهنِي ..
فلاَ أجِدُ
شاءتْكِ منذُ ابتداعِ الضوء ..
بوصلتِي
فأوَّلتْنِي شريداً .. خانه البلدُ .
ويختمها بنداء يستنشد "تمويج" صوت حبيبته حيث يقول:
رحماك يا صوتَها الموَّاجَ .. إنَّ بنا
منْ رقَّة الشطِّ ما قد يَخدش الزبدُ!