وسط حضور نخبوي حاشد تقدمه أكاديميون ومفكرون ومثقفون، نظم بيت الشعر- نواكشوط مساء أمس (الخميس) ندوة عن "المسرح الموريتاني بين الهواية والاحتراف"، وهي الندوة التي تميزت بمحاضرة قيمة ألقاها المخرج التقي ولد عبد الحي، وعقب عليها عشرات المسرحيين والباحثين، وشهدت مداخلات قادة كل من: "منتدى الجمعيات الشبابية والثقافية في مدينة نواذيبُ"، و"فرقة نواذيبُ المسرحية"، الذين أعربوا عن احتفائهم بهذا الحدث، واستضافة مخرج مسرحي أعطى جل اهتماماته للمسرح الموريتاني.
وقدم الأستاذ الدكتور عبد الله السيد، مدير بيت شعر نواكشوط نبذة عن الاهتمام المبكر الذي لقيه فن المسرح عند قدماء الفلاسفة والمفكرين، ومدى ارتباط المسرح بالشعر، باعتبار أن المسرحيات قديما كانت تقدم كحوارات شعرية قبل أن يعرف السرد طريقه إلى المسرح.
ونوه ولد السيد إلى أن بيت الشعر - نواكشوط يفتح أبوابه لتجارب من كل التخصصات الثقافية الأخرى، مشيرا إلى أن احتفاء البيت اليوم، عبر هذه الندوة النقدية والتعريفية بجهود المسرحيين الموريتانيين، يندرج في إطار برامج البيت القائمة على خدمة الإبداع والثقافة.
بعد ذلك، استمع الحضور إلى المخرج التقي ولد عبد الحي، والذي أعرب عن سروره العميق باستضافة بيت الشعر.
وأثار جملة من الأسئلة حول المسرح الموريتاني؛ ليستفيض في الموضوع ويوزعه إلى عدة محاور، تناول في المحور الأول "نشأة المسرح الموريتاني" بدءا من المرحلة الأولى المتمثلة في "مسرح تقليد الأشياء، والتمثيليات الشعبية والمرويات، وكذا مسرح العرائس، الذي عرفه المجتمع الموريتاني القديم".
واعتبر ولد عبد الحي أن هذا المجال لم ينل حقه من الدراسة العلمية، ومن التوثيق، برغم أنه رافد مهم في الثقافة الموريتانية.
وتناول في المحور الثاني ما قال إنه يعتبر “النشأة الحديثة" مع "فرقة الكيكوطة" عام 1958، وهي الفرقة التي أسسها الرائد الراحل همام فال قبيل استقلال البلاد بعامين، وعرفت هذه الفرقة بعطائها المسرحي المبكر في عصر الدولة الحديثة، وسيمتد هذا اللون المسرحي الذي أسست له "فرقة الكيكوطة" إلى نهاية السبعينيات.
أما مرحلة التأسيس الثانية، فهي التي بدأت عام 1985، وكانت على يد النجوم الشباب الذين حققوا نقلة نوعية في مجال إشاعة المسرح كفن في أوساط المجتمع الموريتاني المحافظ، وفي بيئة لم تكن ملائمة للعطاء المسرحي بسبب غياب البنية التحية، وغياب الاهتمام الرسمي وقتها، وانعدام الخبرة والتكوين والتدريب في مجال المسرح.
وتحدث عن الانتكاسة التي عرفها المسرح الموريتاني بعد تلك المرحلة، وعن معاناة المسرحيين الموريتانيين، الذين أخذوا في البحث عن مضيف خارجي لدراسة المسرح.
وتحدث عن الخلافات التي شابت رؤية رواد المسرح الموريتاني، حيث أنه ورفاقه تمكسوا بضرورة بوجود مسرح احترافي، فيما كان التوجه الآخر قائما على ما يعرف محليا ب"المسرح الشعبي".
وقال ولد عبد الحي إن جهود رفاقه أثمرت بفضل تدخل السطات الثقافية الموريتانية الحالية والهيئة العربية للمسرح، حيث بدأ التأسيس للمسرح الموريتاني في مرحلته الراهنة، التي أدت الآن إلى وجود "اتحاد المسرحيين الموريتانيين" ومهرجانين سنويين للمسرح هما: "المهرجان الوطني للمسرح"، و"مهرجان المسرح المدرسي في موريتانيا"، وعدة محاولات جادة لوقوف المسرح الموريتاني على قدميه.
وتوجه ولد عبد الحي بالشكر الجزيل لوزير الثقافة الحالي معالي الأستاذ سيدي محمد ولد محم، الذي قال إنه تفاعل بكل إيجابية مع المطالب التي تقدموا بها للنهوض بالمسرح الموريتاني.
وقال ولد عبد الحي إنه ورفاقه بدأوا مصممين على إيجاد مسرح موريتاني محترف، وإنهم ماضون في طريقة تحقيق هذا الحلم مهما طال الزمن.
هذا، وانصبت مجمل المداخلات التي تقدم بها مسرحيون وأكاديميون وشعراء، على مفهوم "الهواية" و"الاحتراف"، مع الاتفاق التام على أهمية المسرح كأداة للتنمية الثقافية والاجتماعية، وكحاضنة للقيم والإبداع والفرجة المفيدة، معتبرين أن نقاش موضوع المسرح اليوم في بيت الشعر ومن طرف هذا الكم النوعي من الشعراء والمثقفين دليل على أن هموم المسرح لم تعد مجرد خواطر في أذهان مبدعين لا تجد من يهتم بها.