قدم الشاعران أحمد محمد يسلم عبد الوهاب، ومحمد الولي المختار تجربتها الشعرية إلى الجمهور، وذلك في أمسية شعرية نظمها لهذا الغرض بيت الشعر - نواكشوط مساء اليوم (الخميس) وحضرها جمهور غفير من محبي الشعر.
وانطلقت الأمسية، التي قدمتها الأستاذة سارة الشيخ سيديا، بكلمة تعريفية بالشاعرين تبين من خلالها أن داء السحر الحلال أصاب الشاعرين من خلال الهواية والنشأة على حب الشعر واللغة وتعاطيهما.
بعد ذلك، استمع الحضور إلى الشاعر أحمد عبد الوهاب، الذي قرأ قصيدته " حديثك آيات"، ومطلعها:
حديثك آيات من الدر تنثر
وعيناك جنات وصوتك مزهر
صببت كؤوس الوجد حتى تغيرت
ملامح وجه من جمالك يسكر
تربى على النايات يغسل دمعها
ويسقي شجونا في المحاجر تكبر
على قلق الأشواق يرسم شأوه
وقامته الفرعاء تخبو وتظهر
يطارد طيفا كل حين يزوره
يسامر نجما آخر الليل يظهر
ويحدو به الظلماء من بطن تيرس
ويورق شعرا حين فيها يفكر
تراءت له الأشياء تعكس طيفها
وعانقها في لجة الوجد تبحر
فأصبح مفتونا يهيم بحلمه
فلا الوصل مرجو ولا الحب مدبر
كما قرأ قصيدته "ميقات الأخيلة"، والتي يقول في مطلعها:
الآن أسأل عن ميقات أخيلتي
عن الرحيل وعن شطآن أسئلتي
عن دمعة الحب عن عينيك عن لغة
تطوي المسافة بين العين والشفة
هذي معانيك في الأحشاء كم غمرت
مني الضلوع وغاب الوصف عن لغتي
حتى بدا الماء في عينيك يقذفني
صوب الضياع ويرمي السهم في رئتي
حب توطن في عينيك أسئلة
تطوي المجاز وتغزو التيه في ثقة
يا دوحة الحب يا معراج قافيتي
عشتار تسأل عن ميلاد أخيلة
تلقي المحاسن في كفيّ علَّ هوى
مني يعود زمان الوصل في سِنة
وقد عرفتك للأشعار معلمة
لا وقت غيرك في شطآن موهبتي.
وقرأ كذلك قصيدته "على بعد بوح"، والتي يقول فيها:
عَلَى بُعْدِ بَوْحٍ مِنْ جَمَالِكِ أُبْحِرُ
كَأنَّ جُنُونَ المَوْجِ حَوْلِيَ مِئْزَرُ
تُصَادِرُنِي عَيْنَاكِ.. فِي كُلِّ لَحْظَةٍ
لِأَنَّ بَرَيقاً مِنْ جَبِينِكِ مُسْكِرُ
وَحِيداً.. تَرَاءَتْ لِي مَزَامِيرُ صَمْتِنِا.
وَنَاءَتْ مَرَاسَينَا ... فَعَيْنَايَ تُمْطِرُ
نَدِيمِي بِهَذَا التِّيهِ كَمْ خَانَ خِلَّهُ
أَيَا أَمَلِي.. قُلْ.. لِي..مَتَى.. سَوْفَ نَعْبُرُ؟
صَلاَتِي إِذَا مَا الوَجْدُ هَاجَتْ بِحَارُهُ:
إِلَهِي لئنْ أَنْجَيْتَنِي مِنْهُ أَشْكُرُ
أَخِيطُ سَمَاءَ الوَجْدِ لَحْنَ جُفُونِهَا
أَيَا صَاحِبَ الضِّلِيلِ عَزْمُكَ أَكْبَرُ ...
وينشد الشاعر بإيقاع خاص، وهو الذي يصارع الحزن بلون البوح في الذكرى الأولى لرحيل والدته، إذ يقول:
ما زلت أحمل في الأحشاء قافية
دمع الأحبة لم تكتب ولم تقلِ
موال حزنيَ في الأعماق ديدنها
من عهد داود لم تبعث به رسلي
عام أهدهد فيه الحزن أسأله:
كفكف دموعك في الأحشاء والمقل
عام من التيه ما زلنا نصارعه
لحنا من البوح في طود من الأمل
لا دفء بعدك يا أماه يحضنني
شاخ الفؤاد بما يلقاه من جلل
بدره قدم الشاعر محمد الولي المختار قصائد من ديوانه، بدأها بقصيدته " كتف القصيدة"، التي يقول في مطلعها:
نامي على كتف القصيدة همسة
عل الأسى خلف القصيدة ينتفي
وتنزلي في الروح من جبريل قطرا
.. وانبتي في القلب كي لا أنطفي
فالماء إن يوما تصوف شاعرا
فلأجل ماء الشعر.. أنت تصوفي
خلف المدى!ما خلفه؟لا تقلقي،
كل المجابة ضجة بك تحتفي!
لاتحجبي عينيك عن ضوء المدى
فالضوء إن أنت اختفيت سيختفي
هاتي يديك لنسقي الورد الذي
قد كان يبكي يوم خالك تنزفي...
فلم البكاء صديقتي؟ لاتستحق
دموعك الأشياء.. لا تتأسفي!
مازلت رغم الخوف، أو رغم الذبول
فراشة.. فتراقصي، وتزخرفي!
ودعي المجاز يمد من أغصانه
سحرا تغمد بالضياء المترف
وتعمدي طهرا..وفوحي زهرة
من ياسمين الحرف، ثم تزفزفي
أنت التي قد غاب مني هدهد
فأتت تغردك الطيور بمعزفي
لاتحزني ..إن الحياة قصيدة
لون القصائد عتمة.. فتفلسفي!
وقرأ قصيدته "في ملة الوحل"، التي يقول فيها:
وحدي وأصرخ..
هل سيسمعني الدجى؟
فيطير في غضب الرياح ردايا
قد ينكر الكهف الكئيب جهاته
ويظل في توق الجهات ندايا
حار الوجود!
فمن يؤول خطوتي الأولى
سيقفو بعد ذاك خطايا
مازال في السياب يبحث من أنا!
والشعر من فرط الجنون تآيا.
قد يعرف الشعر المحير تائها
والدمع يهطل حين يفهم نايا
لا موج في قلبي ولا أسطورة
بحرية، لا شيء في منفايا
أنا صخرة..لغة الصراخ تمردت
فيها، لينفجر الجمود حكايا.
وختم بقصيدته: "في المارواء" التي يقول فيها:
في الماوراء ..
بلا وجه ولا جسد
أفتش الوحل عن إشعاعي الكمد
و عن فتات بكف الريح ..بعثره...
و ضجة صلبت في بؤرة الأبد
و صحت لليل!!
قل لي من أكون أنا؟
فقال: "شيء من اللاشيء يا ولدي!"
ألا تراك بحبل التيه منسدلا؟
والذعر يفتك في عينيك كالرمد
هنا ..خطاياك كالبلوى
تسيل دما..
ستجرف الكون بالأداواء و النكد
هنا ..جذورك في الأعماق باكية
على ضياعك في قاع من الوهد
و أنت صرخة هذي الأرض ذات أسى..
قبل الوجود بلا روح و لا جسد
و أنت سيزيف من روع الشقاء على
فؤادك الليل إعصار من الكمد.