نظم بيت الشعر - نواكشوط مساء أمس (الخميس) ندوة علمية تحت عنوان "الحركة الثقافية في بلاد شنقيط: الكتابة التاريخية وتاريخية الكتابة" حاضر فيها كل من د. عبد الودود عبد الله هاشم ود. حماه الله مايابي، فيما شهدت مداخلات بعض الدكاترة والأدباء والمسرحيين.
وبداية استمع الحضور إلى الأستاذ الدكتور عبد الله السيد مدير بيت شعر نواكشوط، الذي أدار الندوة، حيث قدم تعريفا ضافيا بالأساتذة المحاضرين والمشاركين، قبل أن يستعرض في مدخل موجز عن أهمية موضوع هذه الندوة، التي تتناول أحد أبرز إشكالات الثقافة في موريتانيا، وأكثرها ثراء وإثارة للاهتمام بين الكتاب والمؤرخين والمثقفين، الذين يعتبرون موضوع "كتابة التاريخ الثقافي" بمثابة حقل معرفي كبير يجب أن ينال كل اهتمام من طرف المختصين والباحثين.
بعد ذلك استمع الحضور إلى المحاضرة التي ألقاها الأستاذ الدكتور عبد الودود عبد الله هاشم، واستعرض من خلالها جوانب من التاريخ الثقافي الموريتاني منطلقا من مقاربة تحليلية "تتوخى تقديم قراءة تفسيرية لمراحل الازدهار ومراحل الانكفاء والتراجع، ضمن محاولة لتجاوز السرديات السائدة في هذا المضمار"، وفق تعبيره.
واعتبر عبد الودود، وهو وزير سابق، ومسؤول تقلد عدة مناصب هامة، ويصنف ضمن مثقفي البلاد البارزين، "أن الكتابة التاريخية في مفهومها الواسع قد تكون خير معبر عن مجمل الحركة الثقافية نظرا لعلاقتها بالتاريخ العام، حيث يتحكم فيها ويوجهها، لكنها، من ناحيتها، تسجله وتثبت صورته النهائية لدى الأجيال اللاحقة".
وتوقف المحاضر عند بعض الظواهر الخاصة بهذا المبحث مثل "الاستثناء الثقافي" في بعده المكاني (البداوة العالمة) وبعده الزماني (النهضة الشعرية الموريتانية في عصر الانحطاط). ولاحظَ أن الإسهام الشنقيطي في النهضة العربية إنما كان في نهاية القرن 13 هـ،/19 م، غير أن "هذه البوادر النهضوية كانت ومضة أشعت ثم خبت سريعا بتأثير عوامل من أهمها التدخل الاستعماري".
أما الدكتور الباحث حماه الله مايابي، فقد ألقى بدوره محاضرة استهلها بالحديث عن الاختلاف في بداية كتابة التاريخ بالمنطقة، واعتبر أن سكان البلاد القدماء (البداة) عمدوا إلى كتابة تاريخهم وإلى اكتساب العلم فيما سيعرف لاحقا بـ"البادية العالمة في التاريخ"، مشيرا في هذا الإطار إلى الخلاف حول منتِجي تلك المعرفة هل هم بداة تعلموا أم حضريون حملوا معهم العلم إلى الريف.
وأشار حماه الله مايابي وهو مثقف كبير وشخصية علمية قديرة، إلى البيئة العامة التي هيأت لكتابة التاريخ في المنطقة من عوامل اقتصادية، كاكتشاف الذهب، إلى عوامل دينية كانتشار الإٍسلام بين السكان، ولاحقا عدم ركون هؤلاء السكان إلى العزلة جراء الطوق الصحراوي الشديد.
واستعرض المحاضر ارتقاء صورة الشناقطة من بداة معزولين إلى فاعلين حضاريين في مصير المنطقة، لتأتي بعد ذلك "الهجرة الحسانية"، موضحا أن كل هذه الأحداث كان لها دور هام جدا في كتابة التاريخ والتأريخ.
وبين الدكتور حماه الله مايابي بعض العوامل المؤثرة خلال كل تلك المراحل، ومنها الحالة المناخية، والحالة الاجتماعية، وظهور المسالك التجارية، وظهور الحواضر التجارية التي تنمو وتندثر بفعل تحول المسارين المناخي والاجتماعي.
وخلص المحاضر إلى سرد عوامل بينية بالغة الأهمية متعلقة بتداخل المجموعات السكانية وإعادة تشكلها كل مرة، وإعادة تشكل سيكولوجية الإنسان الموريتاني الذي عاش حقبا من تاريخه في غياب التحضر وغياب الاستقرار في الفضاء الصحراوي، وأدى ذلك إلى ضمور عامل الكتابة، حتى إن بعض الباحثين سمى فترات من تاريخ البلاد بـ"الحلقات المفقودة"، موضحا أن تلك الحلقات قد لا تكون بالضرورة مفقودة بقدر ما يجب أن نسائل في إطار استكشافها دور الباحثين.
هذا، وأثنى الدكاترة والأدباء والمثقفون الذين تدخلوا في الندوة على دور بيت الشعر - نواكشوط في النشاط الثقافي والعلمي في البلاد، مؤكدين أن البيت ساهم بفعالية في إثراء الساحة الثقافية الموريتانية، وفي منح الشعراء والمثقفين فضاء لقاء لنشر الإبداع وإشاعة المعرفة، ونقاش القضايا الثقافية الجوهرية بين نخب البلاد بمختلف أجيالها واهتماماتها الثقافية.
وأكد هؤلاء أهمية كتابة التاريخ الثقافي الموريتاني بكل مهنية، ووفق المناهج الحديثة لكتابة التاريخ وتوثيق تراث الأمة، بينما أوصى بعض المتدخلين باستغلال التحول في وسائط نقل المعلومات والاستعانة خاصة في مجال توصيل كتابة تاريخ المجتمع الثقافي الموريتاني وتوصيله إلى الأجيال المعاصرة من خلال تقنيات السينما والمسرح.