شهدت ندوة "المقاربات النقدية" التي نظمها بيت الشعر - نواكشوط مساء أمس (الخميس)، وحملت عنوان "الكتابة الروائية في موريتانيا"حضورا كبيرا للمثقفين والشعراء الموريتانيين الذين يتمسك أغلبهم بالشعر فنا أول في المجتمع الشنقيطي ذي الذائقة الأدبية.
وشارك في الندوة الروائيان: الشيخ أحمدو، ومحمد الأمين أحظانا، فيما أدارها د. التقي ولد الشيخ، الذي استعرض في مقدمته للندوة دخول الفن الروائي إلى الأدب الموريتاني عبر عشرات الأسماء التي تجاوزت التلقي الاجتماعي المتعود على الشعر دون غيره، وغامرت بتجريب الفن السردي الروائي، مذكرا بهؤلاء الروائيين وبعض رواياتهم المتميزة.
بعد ذلك استمع الحضور إلى الروائي الشيخ أحمدو، الذي قدم مسيرته الأدبية والمعرفية التي جعلته يفتتن بالرواية العربية والعالمية، ويبدأ كتاباته الروائية، التي ركزت على معالجة البنية الاجتماعية السائدة، مع تأثر شديد بالمكان في البلد الذي يمتد على شاطئ البحر والصحراء في منطقة الساحل.
وقدم ولد الشيخ صورة من افتتانه بالمكان وحمولته الحضارية حيث يعتبر المساس بفطرية أي مكان مساسا بالإنسان ذاته، ليس في كيانه المادي فحسب بل في كيانه الروحي.
الكاتب الشيخ أحمدو، كاتب غزير الإنتاج متعدد الاهتمامات، وله في المجال السردي عدة روايات من بينها "سمكة إبريل" و"دروب السراب"، و"عودة الزراف"، وقصص ومسرحيات، كما يعد ناشطا ثقافيا شارك في عشرات الأنشطة الإبداعية والثقافية.
بدوره استعرض الروائي محمد الأمين أحظانا سيرته الكتابية مع الرواية، قائلا إنها بدأت عندما كان في السابعة من عمره في البادية وذلك حين وصله كتيب تضمن قصة للأطفال عن الحيوان، وأخذ يقلد كتابة تلك القصة مع تبديل في أسماء الأبطال والمواضع.
تحدث ولد أحظانا عن مشروعه الروائي القائم على "رواية الصحراء ومجتمعها"، والذي ترجمه في ثلاثيته: رواية "الشفق اللازوردي" (رواية موريتانية من الصحراء)، ورواية "الغسق.. إمارة الجبل" (رواية موريتانية من الجبل)، ورواية "الغبراء أدباي الحرية" (رواية موريتانية من السهول)، مشيرا إلى أن لب هذه "الثلاثية" هو بنية المجتمع الموريتاني، الذي رأى أن الرقم "ثلاثة" يعتبر فيه "الرقم حامل السر الخاص" إذ يتكون من ثلاث فئات، كل منها من تتكون بدورها من ثلاثة تصنيفات اجتماعية (فئة السلاح، فئة العلم، فئة الإنتاج)، مبينا مدى ثراء البيئة الروائية عندما يتعلق الأمر بالمجتمع الموريتاني.
وقال إن "التجربة الروائية عملية موتورة لا تعبر عن أي تجربة قصد لها المؤلف أو خطط لاقتناصها، بل هي فوضى من الأحداث تراود صاحبها وحين يبدأ بالكتابة تكون العملية كلها قد انتهت؛ لأن المتخيل يتقمص الكاتب فيرميه على شاطئ من التصورات والتراكيب التي اختمرت في الذهن وأطلت برؤوسها خلف ظلال من التجارب اللاواعية، فتتداعى الصورة تلو ظلالها، والمعنى الموارى تلو المعنى المفضوح، ويكون اللحام بين الحدث والصورة والمعنى، هو التجربة الإنسانية بمرويها لغة وأسطورة، ومعتقدا وواقعا".
لقد بيَّـن الروائيان: الشيخ وأحظانا قدرة الرواية الموريتانية على تقديم نموذج مكاني وزماني محدد بالأسماء والتواريخ، والعينات الجغرافية والبشرية، والنشاطات الاقتصادية والاجتماعية، وذلك عبر تيمات "البادية العالمة"، و"غول الجفاف والفقر والتراتبية الاجتماعية"، و"التمدن العشوائي"، و"غرائبية تعايش القيم المتناقضة"، وصدمة الحداثة والتمدن.