بيت شعر نواكشوط يخلد الاستقلال الوطني بندوة الشعر والمجتمع

جمعة, 2019-11-22 01:28

 

 

ضمن أنشطته لتخليد الذكرى 59 لعيد الاستقلال الوطني الموريتاني، نظم بيت شعر نواكشوط مساء أمس (الخميس) ندوة نقدية تحت عنوان "الشعر والمجتمع: مقاربات في دور الشعر"، وذلك وسط حضور كبير للنخبة الأدبية والأكاديمية في البلاد.

وشارك في هذه الندوة ثلاثة دكاترة هم: الأستاذة الدكتورة زهور كرام (من المغرب)، والدكتور سيدي محمد ختار، والدكتور إسلم خونه (من موريتانيا)، فيما أدارها الأستاذ الدكتور عبد الله السيد مدير بيت شعر في نواكشوط، والذي بدأ حديثه بقديم تهنئة بيت الشعر للموريتانيين بمناسبة الذكرى 59 لعيد الاستقلال الوطني، وهو الحدث الذي أصبح تيمة إلهام للشعراء الموريتانيين.

وفي كلمته التأطيرية لموضوع الندوة، وبعد التعريف بالمحاضرين، استعرض ولد السيد رؤية كبار الفلاسفة والمفكرين للشعر ولدور الشعر عبر التاريخ، موضحا أن مواقفهم وتعريفاتهم للشعر انطلقت من واقع أولئك الفلاسفة وأحيانا واقع الشعر في المجتمعات التي عاشوا فيها، وذكر بعدد من التعريفات التي صاغها الفلاسفة للشعر ولدوره.

واعتبر ولد السيد أن النقاد في فترة ازدهار الفكر الفلسفي في المنطقة العربية نظروا للمنفعة العامة من الشعر ودوره في بث الفضائل وتربية النفوس وصيانة الذوق الجمعي.

وعرج ولد السيد على المعالجات النقدية والفكرية لدور الشعر في العصر الحديث، معتبرا أن الشعر اقترب أكثر من المجتمع مع الرومانسيين، لتقدم بعد ذلك الفلسفة الوجودية رؤى فلسفية لقيم الشعر ودوره.

وخلص ولد السيد إلى أنه لا يوجد نص إلا وكان فيه معنى ولا يوجد معنى إلا وأثر في المجتمع أيما تأثير، كاشفا أن علم الاجتماعي الثقافي الذي ظهر مؤخرا بين أدوارا ريادية للشعر وخدمته للمجتمع، حتى الأشعار التي يعتبرها البعض ذات نظرة فردية كما بينت ذلك الأطروحة القيمة لعالم الاجتماع التونسي المعروف الأستاذ طه نبيل.

بعد ذلك أحال ولد السيد الحديث للأساتذة المحاضرين، حيث قدم د. سيدي محمد ختاري ورقته في موضوع الشعر والمجتمع، مركزا أساسا على أن الشعر واكب المسيرة الإنسانية منذ البداية وإلى اليوم وتميز بالجمالية العالية، بينما العلوم الاجتماعية هي علوم حديثة قائمة على النقد والبحث والمقارنة.

وقدم د. سيدي محمد ختاري رؤية تاريخية توضح خدمة الشعر للمجتمع، مؤكدا أنه حاضنة قيم ومثل من ناحية ووسيلة تعبير جمالية راقية، وتحدث عن الشعر الاجتماعي الذي ترجم هموم المجتمعات أفرادا وجماعات، حيث كان الشعر مرآة عاكسة لحياة الأمم.

ورأى المحاضر أن الشعر الحديث أكثر قربا والتصاقا بالمجتمع ومشاكله وقضاياه وهويته، معرجا على دور الشعر في تثبيت قيم الجماعة وتحفيز أحلامها وطموحاتها، وتخليد الصور السامية لمثلها من خلال التراث التراكمي.

أما الدكتور إسلم خونه، فقد قدم تحليلا لنماذج من الشعر الفصيح والشعبي كشفت عن الصلة الوثيقة بين الشعر والشاعر والوسط الاجتماعي، الذي هو وسط مستقبل ومشجع في آن معا.

ولاحظ ولد خونه أن هناك شعراء عربا امتازت أشعارهم بالعلمية في مجال السيسيولوجيا.

وقارن المحاضر في هذا الإطار بين نماذج شعرية وتأثيرها الذاتي والعام، في قضايا جدلية كالرابط بين المكبوت والبوح، وعلاقة الشاعر بالمجتمع في زواياها المتعددة نفسية ووجدانية وتربوية.

وأكد أن الشعراء نجحوا في ترجمة رغبات وأفكار المجتمع، كما عالجوا قضاياهم الاجتماعية لتتجلى في معاناتهم من ناحية، ومعاناة المجتمع التي تناولوها في شعر مؤثر ولصيق بنبض المجتمع.

واستعرض المحاضر قصائد موريتانية قيلت في ظروف اجتماعية خلدت لحظات حاسمة في التاريخ، كالأشعار التي أنتجت في فترة التحضير للاستقلال.

بدورها، قدمت الأستاذة الدكتورة زهور كرام، من المغرب، مداخلة قيمة عن الشعر والمجتمع في أفق التطور التقاني والمعلوماتي الحالي، والتحدي الذي تخلقه وسائط التواصل الاجتماعي ووسائل التعبير الحديثة التي تطرح العديد من الأسئلة عن الدور الجديد للشعر وعن التحديات التي على الشاعر المعاصر مواجهتها لاستمرار دور الشعر كحاضنة لتمثلات الإنسان عبر التاريخ من جهة، ولاستشرافه للمستقبل من جهة أخرى.

وأكدت أنه من المطلوب التفكير بصوت عال في العلاقة بين الشعر والمجتمع لأنها علاقة متجددة.

وقدمت د. زهور كرام جملة أسئلة تسائل بدورها موضوع التفكير في علاقة الشعر بالمجتمع، وذلك انطلاقا من فهم الشعر وتحول آليات فهم الشعر عند مجتمع يعرف الشعر بأنه ديوان العرب.

هذا، واختتمت د. زهور كرام مداخلتها بالتنويه بشعر "التبراع"، الحساني، الذي هو لون شعري خاص بالمرأة في هذه الربوع، مشيدة بمستوى هذا الشعر، وكونه يعبر عن العلاقة الوطيدة بالمجتمع.

وقالت "إن هذا الشعر (التبراع) يجعلنا نعيد النظر في الكثير من اليقينيات التي نأخذها من الخطابات النظرية لدى الغرب".

واختتمت بالقول "من خلال هذا الشعر الحساني نجد أن الشعر يعبر عن تمثلات كثيرة في المجتمع، وباستطاعته أن يجعلنا نعيد النظر في كثير من الأشياء، وأن يعبر عنا، وبالتالي فإنه يحتاج منا إلى بعض الإصغاء المسؤول، ويحتاج منا إلى أن نتقدم إليه كما يتقدم هو إلينا بدون وصايا".