ضمن أنشطته الاحتفائية باليوم العالمي للغة العربية، استضاف بيت شعر نواكشوط مساء أمس (الخميس) الشاعر المفكر محمد ولد إشدو، أحد أشهر رواد الأدب الموريتاني المعاصر وأساطين اللغة العربية في موريتانيا، وذلك ضمن سلسلة "تجارب مثمرة"، التي ينظمها البيت، وشهدت اليوم حضورا نوعيا للنخبة الثقافية في البلاد.
وألقى الأستاذ الدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر – نواكشوط كلمة بالمناسبة، رحب فيها بالحضور، وأكد أن البيت وجد أن أفضل طريقة للاحتفال باليوم العالمي العربية استضافة قامة فكرية وثقافية تميزت بتجربة كبيرة في مجال التنوير والإبداع والدفاع عن العربية.
بعد ذلك، استعرض الشاعر والمفكر محمدن ولد إشدو سيرته الذاتية غير النمطية، وهي سيرة تميزت بالعصامية إلى جانب إصرار صاحبها على أن ينهل من معين الثقافة والأصالة العربية والإسلامية مواكبة ومشاركة في ذات الوقت للحراك الثقافي في منطقتي المغرب العربي ومنطقة الشام.
ولد إشدو، الذي أريد له أن يعيش في محل تجاري، أصر على التعليم وبدأ بإنفاق وقته بين رفوف الكتب، ثم ليصبح شاعرا ومفكرا ساعيا بكل جهوده إلى تنوير الناس وتوعيتهم.
ولد إشدو عرض لواقع اللغة العربية قبل الاستعمار وخلاله، وكذا محاولات دفعها للتراجع، ثم في ظل مابعد مجتمع حياة المستعمر، إذ تصدر جيل ولد إشدو للدفاع عن العربية، وشارك في قيادة حركة إبداعية تركت بصمتها الواضحة على كل الأجيال الموريتانية اللاحقة.
كان ضيف تجارب مثمرة، رائد الأدب الموريتاني المعاصر، أول من كتب قصيدة من "الشعر الحر" وهي قصيدة "طابور"، التي تصف حالة إنسانية في طابور أمام طبيب غير مبال.
بدأت حكاية ولد إشدو مع الشعر منذ نعومة أظافره حيث أحبه حبا جما، وحفظ الكثير منه، وبدأ يقرض البيت والبيتين والقطعة. وقد ساعده في ذلك محيطه الشاعر من أخوال وأعمام وأم أديبة وراوية. ونفس الشيء جرى له مع الشعر الحساني (الشعبي) فكل أهله يقرضون الشعر الشعبي.
بيد أن رحلته الحقيقية مع الشعر والأدب لم تبدأ بالفعل إلا سنة 1964 مع قصيدة "رسالة الشباب"، وبعدها، يضيف ولد إشدو، تسلسلت العناوين: نشيد العروبة، رسالة إلى رفيق، وغيرهما.
ولكن ما يثير اهتمام جل الباحثين في هذه الفترة ليس المضمون بقدر ما ينزعون إلى الشكل؛ أي ميلاد أول قصيدة حرة في هذه الربوع؛ وهي قصيدة "طابور"، ومما تجدر ملاحظته هنا أيضا أن هذه الفترة عرفت ميلاد المسرحية (ليلة القدر) والرواية (الطريق) والقصة القصيرة (فاطمة، والطاولة العرجاء) والصحافة السياسية الحرة (موريتانيا الفتاة، ثم صيحة المظلوم).
وتجسد جميع قصائد ولد إشدو علاقة الشعر عنده بالشأن العام؛ أي التزامه بقضايا الوطن، ويذكر العلاقة الحميمية بينه والشعر مشيرا إلى أنه صديق يبوح له نزوعه ومشاعره الذاتية في لحظات الانفراد، ويخلو إليه أنيسا ساعات الحزن.. فيلقيه على الورق موثقا جانبا من الحياة الخاصة والعامة التي عايشها.
هذا، واختتم ولد إشدو عرض تجربته بقراءة نماذج من دواوينه الشعرية، التي تبين أن الشاعر تغنى بكل المضامين الشعرية.