كانت العشر الأواخر من رمضان وما بعدها من هذا العام في بلادنا مدعاة أكثر للجوء إلى الله تعالي والتعلق به والاكتفاء بما عنده، فقد ظهر جليا في الفترة الماضية الضعف العالمي العام وأن لا عاصم من أمر الله إلا هو، وبما أن القائمين على الشأن العام في بلادنا أثاروا في المرحلة الماضية كثيرا من التشكيك في مدى جديتهم في محاصرة الوباء، وعدم الاهتمام كثيرا بالنصح والاستفادة من تجارب الغير الناجحة، فإنني سأركز في هذه الأسطر على المجتمع المدني والجمهور..
بفضل الله وجوده لا نزال ولحد كتابة هذه الأسطر أقل جيراننا تسجيلا للحالات الحرجة جراء الإصابة بكوفيد- 19 في المستشفيات..، وهو واقع علينا جميعا أن نحمد الله كثيرا عليه، وأن نعي ضرورة التشمير فيه عن ساق الجد لئلا يتفاقم الوضع أكثر، ولنكون عونا لإخواننا الذين لا يجدون ما ينفقون في الأوضاع العادية، فكيف في ظل ظروف يستمر فيها الإغلاق وتنعدم البدائل أو تكاد، مع عدم الاهتمام أو محدوديته بشؤونهم..
في ظل تنامي حالات الإصابة بالفيروس وعزل المصابين، ومن ثم تزايد أعداد المحجورين احترازيا وتكدس الجميع في أماكن محدودة، وضعف آلية التكفل بهم لقلة الوسائل، وحسب ما نادى كثير منهم، فإني أرى أن نتعاون جميعا على تحقيق قدر من التكافل يخفف واقعا يفترض أن يأخذ بعض الوقت، وهو ما يقتضي منا تشكيل: تنسيقية للتخفيف من آثار الجائحة لا تتبع ولا تخضع بشكل مباشر أو غير مباشر لأي جهة سياسية، وتعمل بعيدا عن التسييس والمكايدة -فهو عمل يرجى به إن شاء الله وجه الله-، وتتولى هذه التنسيقية توفير:
المساعدات الغذائية
نعرف جميعا واقع عديد الأحياء في نواكشوط التي تتلقى إمدادات المياه طيلة العام من خلال عمل مجموعات أهلية متعددة، كما أن هذه المجموعات توزع حسب الإمكان العديد من السلات الغذائية والألبسة والافرشة في هذه الأحياء وغيرها، وتتزايد أعمال البر هذه في شهر البر وتتجاوز عمل الجمعيات والهيئات إلى الأسر والأفراد حيث يكثر الإنفاق ويتعدد المنفقون لله الحمد والمنة، وكما هي العادة فبعد نهايته خفت تلك الشعلة الإيمانية وتراجع أثرها كثيرا وهو ما يستدعي منا السعي لاستردادها وتنظيم نتائجها، وما أود التركيز عليه هنا بالتحديد هو: أن يتم تنظيم هذه الجهود من خلال التنسيقية الخاصة لتقوم بمتابعة الاحتياجات اليومية لمراكز عزل المصابين بالفيروس، وتسعى لتقديم ما تحتاجه المراكز بشكل منتظم، ودائم فكما نعلم؛ الحاجيات متعددة ولا نعلم الوضع المقبلين عليه، وهي على العموم تحتاج لاهتمامنا جميعا ففيها الأهل والإخوان، والمحافظة على حسن سيرها ضمان لثقة المجتمع فيها، وعليه نجاح محاصرة الوباء..
العمل التطوعي
في مثل هذه الأوضاع الوبائية عادة ما تستدعي ظروف معينة مساعدة الأطقم الطبية في التزود ببعض الحاجيات الخاصة، سواء تعلق الأمر بتوفير وجبات غذائية أو حاجيات شخصية مهمة أو حتى ضرورية، أو تنظيف بعض الأمكنة المخصصة للمعالجة، أو أي مساعدات في ما يتعلق بالتجهيزات والنقل، الذي قد يكون انتظار توفيره بشكل رسمي ضياع وقت ثمين بسبب البيروقراطية وغيرها، وهو ما يقتضي من هذه التنسيقية قوة الصلة بالأطقم الطبية الميدانية المتابعة للجائحة، وإن لزم الأمر توفير متطوعين للتكوين في ما تراه هذه الأطقم، لنتعاون جميعا في كبح هذا الوباء راجين من العلي القدير أن يبارك جهود الجميع ويخلصها لوجهه الكريم..
وفي مقابل هذا العمل الطارئ الذي لا ينبغي أن يشغلنا بحال من الأحوال عن إخواننا ممن لا يجدون ما ينفقون، فعلينا أن نقوم بتكثيف حملات جمع ما أمكن من صدقات، وأن نخلص النية جميعا لله في توزيعها ونبتعد عن المحاصصة السياسية والفئوية، ولا يغرنا أننا معروفون في هذا الحي أو هذه المجموعة أو هي تتبع لنا، أو نحوه مما يكثر تكراره والمباهاة به، فلنقدم الأكثر احتياجا ولننسق جهود العمل في هذه الأيام، فبالرغم من الجهد الكبير الذي تقوم به عديد الهيئات والأفراد، إلا أن كثيرا منه يتم هدره بسبب قلة التنسيق وغلبة التسييس وحظ النفس، فهذه أيضا دعوة لنا جميعا لنزيل سوء أنفسنا حتى يعلم الله الخير فينا..
جعلنا الله وإياكم ممن خلصت نيته وطابت سريرته وعتقت رقبته من النار، وحفظ الله شعبنا من سيء الداء، وأدام عليه العافية والنماء...
وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ