تصريح
لندن 4 يناير 2021
د. بدي ابنو المرابطي
تعرّضَ يوم أمس الأول 2 يناير 2021 محتجون سلميون في قرية تيفيريت (25 كلم شرق العاصمة الموريتانية نواكشوط) لقمع وحشي قامت به عناصر محسوبة على جهاز الدرك الموريتاني.
وأظهرتْ تسجيلات فيديو موثّقة متداولة عناصرَ منْ جهاز الدرك وهي تعتدي بهمجية بدائية على عشرات من سكان قرية تيفريت الذين يبدو أنّ ذنبهم الوحيد هو أنهم ناهضوا سلمياً، في إطار واجبهم المواطني و حقوقهم القانونية، ناهضوا مكبّ نفايات غير قانوني (كان القضاء الموريتاني نفسه قد حكم بإغلاقه منذ أشهر) يقع قرب قريتهم.
وزيادةً على ما حدثَ يوم أمس الأول، تُؤكّد شهاداتٌ كثيرة متطابقة أنّ هذه الانتهاكات ليس إلا استمرارًا لمسلسل من العمليات القمعية الهمجية التي تعرّض لها سكان هذه القرية منذ أشهر.
وتأتي أعمال القمع هذه كدليل إضافي على ما يبدو للأسف الشديد أنّه انتكاسة خطيرة في موريتانيا للحريات المدنية وللضمانات الشرعية القانونية التي يُفترضُ أنَّ الدولة والعقد الاجتماعي يقفان عليها. وهي انتكاسة تتفاقم بشكل مطرد. فقد تمّ انتهاك حقّ التظاهر السلمي عدّة مرات خلال الأشهر الماضية دون أدنى ذريعة قانونية ولو واهية، وهو ما يحدث مثلا راهنياً للمتظاهرين السلميين من مقدمي خدمات التعليم، وهو كذلك ما حدث منذ أسابيع في مدينة الزويرات (شمال موريتانيا) حين تعرّض متظاهرون مناهضون سلمياً وشرعياً لاستعمال بعض الشركات لمواد يرونها ذات مخاطر كبيرة صحية وبيئية على سكان مدينتهم ومنطقتهم، حين تعرّضوا لموجة من القمع والتنكيل والتعذيب التي ما رستْها علناً وبتبجّح موثق أجهزة الأمن والشرطة. وهو ما حدث كذلك لعدد من أصحاب المظالم المتعدّدة المطالبين بإنصافهم وللطلبة الذين مُنعوا تحكّميا من إمكانية الالتحاق بالجامعة وكذلك لطلبة كلية الطب حين تمّ انتهاك الحرم الجامعي الشهر الماضي وتم قمع الطالبات والطلبة وحشيا ودون هوادة.
واعتبارا لما تقدّم ولمعطيات أخرى متضافرة :
1- فإن بعض الفئات النافذة في السلطة القائمة والتي تَرى فيما يبدو لأسباب غير واضحة بما فيه الكفاية أن من مصلحتها تأزيم الوضعية السياسية والحقوقية تزداد فيما يبدو شراسة يوما بعد يوم. وهو أمرٌ تحتاج استعجالياً المكوناتُ الجادّة في الطبقة السياسية والمدنية أن تأخذه على محمل الجدّ وبما يلزم من يقظة و من فاعلية ومن حسّ اللحظة المفصلية.
2- وفضلا عن واجب الإدانة المطْلقة لكلّ هذه الانتهاكات والتجاوزات الوحشية فإن الوقوف في وجه هذه الانتكاسة الخطيرة يحتاج استنفاراً حازما للضمير الجمعي، ويحتاج تبعا لذلك إلى وقوف كل الصف السياسي والمدني الجادّ في وجه المدّ الارتكاسي وما أو منْ يغذّيه.
3- إن إرادة وجود دولة الحقّ والعدل ولو في الحدّ الأدنى تستلزم في المستوى الأول التحقيقَ في كلّ هذه الانتهاكات وتستلزم إذنْ المتابعة القضائية والحقوقية الصارمة لكلّ من أمر أو نفّذ أو شارك صراحةً أو ضمناً في أي جريمة من هذه الجرائم الخطيرة من حيث بشاعتها في ذاتها ومن حيث تداعياتها الممكنة.