بدن ول عابدين .. قصة حركة .. ووعي شعب...

خميس, 2021-04-29 04:20

محمد بن محمذن فال

 

لا تلعب السن - دائما - دورا في حياة الرجال, بقدر ما تلعبه البيئة والتنشئة والاستعداد الفطري.
شارك سمرة بن جندب ورافع بن خديج - رضي الله عنهما وأرضاهما – في غزوة أحد ولما يتجاوزا السادسة عشر من العمر.
وأمٌر النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد – رضي الله عنه وأرضاه - على جيش الشام, وفيه كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وعمره ثمانية عشر, وقال لهم عليه الصلاة والسلام :(استوصوا به خيرا إنه من خياركم)صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. 
أخذ المرحوم / بدن بن عابدين الصدارة - على صغر في السن - في جميع التوجهات الثورية المحلية التي انتسب إليها, سواء : القوميون العرب أو الحركة الوطنية الديمقراطية التي هو أحد مؤسسيها ومحركها الأبرز, إن على مستوى التنظير والتفكير أو التنظيم والنشر والإعلام ووو.
ورغم كونه أمين سر هذه الحركة, كان إلى جنب ذلك رجل مهماتها الصعبة على مستوى الوطن, أو ما يسميه هو "المهام الخاصة", الشيء الذي مكنه بالإضافة إلى التأكد من أداء المهمة على أحسن حال, الإطلاع كذلك على أحوال البلد وأحوال المناضلين والعقبات التي تعترضهم وبالتالي مدهم بالإرشاد والتوجيه والتأطير, ولعله في هذا يستلهم دون قصد رحلة الثائرين غيفارا وزميله اغرناداو على دراجتهما النارية, للاطلاع على أحوال أمريكا الجنوبية.
 أحوال النضال تتشابه وتتقاطع وإن اختلفت التوجهات والخلفيات والمرجعيات .

لماذا الحركة الوطنية الديمقراطية ..؟
أحداث عالمية:
شهدت نهاية العام 1965 وبداية العام 1966 أحداثا كبرى أثرت في العالم وكان لها ما بعدها :
- مؤتمر القارات الثلاث 1966في كوبا لخلق شبكة التضامن الثوري بين شعوب العالم الثالث.
كان الثائر الاشتراكي العالمي / المهدي بن بركه نائب رئيس مؤتمر إفريقيا آسيا – المقيم في الجزائر يومها - هو من كلف بتنسيقه والإشراف عليه وصياغة أفكاره .
يقول في أحد مؤتمراته الصحفية :
"لا تنتمي حركة القارات الثلاث إلى المسار السوفياتي , كما أنها لا تدين بالولاء للماوية , إنها إطلاق دينامية مستقلة".
 هذا المؤتمر جاء نتيجة توصية من المؤتمر الرابع لمنظمة إفريقيا وآسيا المنعقد في غانا مايو 1965 والقاضية بضم أمريكا اللاتينية تلبية لنداء كاسترو 1962: "على الشعوب أن تتحرك" بعد طرد كوبا من منظمة الدول الأمريكية نتيجة أحداث خليج الخنازير.
لكن الإنمبريالية العالمية كانت لبن بركه ولزملائه في التوجه بالمرصاد, قبل نهاية العام 1965: انقلاب عسكري يطيح بالرئيس بن بلا, وآخر يطيح بأحمد سوكارنو أندنوسيا, اغتيال علي منصور رئيس وزراء إيران, واغتيال بن بركه نفسه, ومالكوم إكس أمريكا, وأرنستو مولينا اكواتيمالا, ومانويل دولغادو البرتغال, لتتوالى بعد ذلك تصفية جميع رموز هذا التوجه, في فبراير 1966 انقلاب على كوامي نكروما غانا, وفي اكتوبر1967 قتل اتشي غيفيرا ووووو.
- الثورة الثقافية في الصين .
- تجمع الثوريين الاشتراكيين العالميين في الجزائر وخصوصا الأفارقة : المهدي بن بركة – أميكرال كبرال الرأس الأخضر– قادة النضال في بيساو والمزنبيق وأنكولا برعاية الرئيس أحمد بن بله, وكذلك مالكوم إكس وغيفارا من أمريكا ووووو.. وما كان لهذا الحدث من زخم.
- الحوار العالمي لإعداد وصياغة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يقول في ديباجته :
"لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها , وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي".

أحداث داخلية:
- تزايد الوعي بضرورة الاستقلال الاقتصادي والثقافي.
- تزايد الوعي بالحقوق لدى عمال شركة المناجم.
- تباعد الطرح الفكري والنظرة للهم الوطني بين "المستعربين والمتفرنسين" - إن صح التعبير- وخصوصا لدى نقابات التعليم, الشيء الذي نتجت عنه أحداث 66 البغيضة.
هذه الأحداث شكلت صدمة لدى المتعاطين مع الهم الوطني, وكانت السبب في وقفة تأمل ونظرة للوطن تبني عليها المفاصلة مع الماضي ودراسة واقعية للحاضر واستشراف واعي للمستقبل: نواة الحركة الوطنية الديمقراطية أولا وحزب الكادحين لاحقا.
كانت جريدة الحرية – إحدى نشريات القوميين العرب - الصادرة في لبنان من بين مصادر القراءة الأساسية المشكلة لتوجهات وأفكار المتأثرين بهذا التيار في البلد, وخصوصا كتابات المفكر اللبناني/ محسن إبراهيم مؤلف الكتب:"إسرائيل: فكرة,حركة,دولة"1958. وكتاب : "التحرر القومي والنهج الاشتراكي" 1963.
كان لتحليلات هذه النشرية - ونشاط الاشتراكية العالمية برموزها في إفريقيا : بن بركه ,إسماعيل توري, وفي أمريكا : غيفارا , مالكوم إكس, وفي آسيا : أحمد سوكارنو أندنوسيا, علي منصور إيران, والخطب النارية للرئيسين أحمد سيكو توري وفيدل كاسترو الذي يقول :
"إن الأفكار الاشتراكية , هي الأفكار الثورية في حقبتنا التاريخية الراهنة" - دور مهم في تشكيل وعي جديد لدى كوكبة من الشباب, تنطلق في مبادئها الفكرية وتصورها للمستقبل من منهجية واعية للواقع الوطني كحالة خاصة لها ما يميزها عن محيطها الجهوي والقاري وحتى امتداداتها اللغوية بصفة أعم, وبالتالي مستوعبة للجميع ومركزة على وحدة المنطلق.
من بين هؤلاء الشباب وأصغرهم سنا – وسيكون محور الأحداث فيما بعد – بدن ول عابدين.  
يقول المرحوم بدن :"كانت الساحة في المشرق العربي حبلى بمراجعات فكرية عميقة تطفو على السطح, تعيش آثار العدوان على الدول العربية ونكسة حزيران 1967 وما تلاها من خلافات في الاتجاه القومي العربي, وكنا حينها أقرب إلى تيار يقوده الفلسطينيون من قادة التنظيم, وتوزع دورية الحرية الصادرة في بيروت أفكاره الأساسية على مناصري التيار في مختلف بقاع العالم.
هذه المراجعات هي التي حرر الحكيم "جورج حبش" وعرفت "بوثيقة تموز" ووزعتها نشرية الثورة, التي كانت تصل بانتظام للمرحوم سميدع حسب الوزير / محمد فال بلال, ومعلوم ما للمرحومين من صلة : سميدع وبدن.

تتالي الأحداث المتسارع - أحداث 66, نكسة 67 وانكشاف "صوت العرب" ومهرجها أحمد سعيد, أحداث الزويرات  68 - جعل الحركة الوطنية تعلن خطها النضالي الجديد في مؤتمر "توكومادي" والذي يعتبر إعلانها الرسمي عن نفسها والمفاصلة بينها والحركة الأم " القوميون العرب".
هذا الخط الذي غير وجه التاريخ في البلد وجسد الوحدة الوطنية قناعة وتطبيقا, ولا زالت بصمته تراوح مكانها, وأفراده - دون إطراء – محل شد ولفت أنظار مجمل رواد دائرة البناء الوطني.
تواضع الإخباريون على أن العرب تعد المنجبات من النساء من فاق أبناؤها أقرانهم بالأخلاق والصفات الحميدة من كرم وشجاعة وإباء ومروءة.
عدوا في الجاهلية :
 فاطمة بنت الخرشب الأنمارية :أم الربيع بن زياد العبسي.
ماوية بنت عبد مناة التميمية : أم زرارة بن عدس التميمي.
حبيبة بنت رياح الغنوية : أم جعفر بن كلاب العامري.
وفي الإسلام :
لبابة بنت الحارث الهلالية : أم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أم الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
وإذا كان لنا أن نذكر منجبة في البلد, فهي المرأة الصالحة المرحومة : ميمونة بنت عبيد والدة المرحوم بدن ول عابدين.
وإذا كان لنا أن ندرس شخصية المرحوم بدن من جميع النواحي والأبعاد, يكفينا الرجوع إلى الخبر المتواتر عن الشاعر لمرابط بن دياه عن الشاعر الرمز وعالم الاجتماع/ أحمدو بن عبد القادر, قال : سأل أحدهم ميمونة عن ابنها بدن فقالت : ذهب – في حفظ الله - إلى مصر معه رفقة قيل إن من بينهم المختار بن داداه .
رحم الله ميمونة ورحم بدن وجزاهما عن البلاد خيرا, وبارك في عقبهما ومد في أعمارهم, إنه ولي ذلك والقادر عليه آمين.