وسط حضور جمهور نوعي، تقدمته شخصيات أدبية وفكرية وإعلامية بارزة، نظم "بيت الشعر – نواكشوط" مساء اليوم (الخميس)، حلقة مميزة من سلسلته "مقاربات نقدية" حملت عنوان "محمد المختار ولد اباه: شعره ونقده".
وشارك في الندوة، التي تناولت المسيرة الإبداعية والتأليفية والعلمية لأحد أكبر رواد ومؤسسي البحث العلمي، والمعرفي في الثقافة الموريتانية في العصر الحديث، كل من: د. أحمد ولد امبيريك، والأستاذ محمد ولد بتار، و د. ولد متالي لمرابط أحمد محمدو، كما شهدت مداخلات هامة من الحضور.
وبدأت الندوة بكلمة للأستاذ د. عبد الله السيد مدير بيت الشعر، أعرب فيها عن ترحيبه بالحضور، وعن اعتزازه بمشاركة قامات ثقافية وأكاديمية كبيرة في هذه الندوة التي تتناول شعر الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد اباه ونقده
ورأى ولد السيد أن التعريف الصحيح بشخصية محمد المختار ولد اباه هو وصفه ب"القرآني" لتميزه في خدمة القرآن الكريم؛ بعدما أصدر أهم ترجمة لمعاني كتاب الله إلى اللغة الفرنسية استدركت على جميع الترجمات السابقة لمعاني هذا النص المقدس.
كما يرجع إليه الفضل في الإشراف على أهم إصلاح للتعليم في موريتانيا سنة 1974، وفي تأسيس الدراسات العليا من خلال المدرسة العليا للأساتذة، وفي الريادة في مجالات ثقافية عديدة ليس الشعر والنقد إلا جزء بسيطا منها.
وأكد ولد السيد أن ولد أباه لم يؤسس البحث العلمي في هذه الربوع فحسب وإنما أرسى معالم مدرسة في الأخلاق الرفيعة، حين أقبل على العلم والتأليف، فترجم، وألف وكتب الشعر بالعربية والفرنسية وبالفصيح والعامي دون الدخول في الجدل العقيم والخصومات غير المجدية، فأثرى المكتبة العربية بإبراز إسهام هذه الربوع في جميع المجالات المعرفية.
بعد ذك استمع الحضور إلى ثلاث مداخلات رصينة:
- أولاها كانت عن شعر الدكتور محمد المختار ولد اباه مع العلامة الأستاذ محمد ولد بتار، الذي أشرف على جمع الديوان.
وفيها بيَّـن أن الديوان تتوزعه حقول شعرية هي القصيدة العمودية وقصيدة الشعر الحر، والقصيدة العامية، والقصيدة المكتوبة أصلا بالفرنسية.
كما عدد ولد بتار اهتمامات وأغراض قصائد الديوان بشقيه الفصيح والشعبي.
وقرأ نماذج فصيحة وعامية منه.
وأبرز ولد بتار أنه لأول مرة يرى في الثقافة العربية صنيعا شعريا نقديا متميزا من خلال ارتجال قصيدتين تحاكي إحداهما شعر جرير، وتحاكي الثانية شعر المتنبي؛ وذلك لحسم الجدل بين أنصار الشاعرين في جلسة تلقي إضاءة كثيفة على "السمر الشنيقيطي"، ليختم المحاضر بقراءات في قصائد الديوان.
بعد ذلك قدم د. ولد متالي لمرابط أحمد محمدو محاضرة حول "المسار النقدي" للدكتور محمد المختار ولد اباه، من خلال مقاربة نقدية لكتابه: (الشعر والشعراء في موريتانيا)، رصد من خلالها أبرز القضايا التي تناولتها المقدمة، وأهمها: "إشكال نشأة الشعر الموريتاني القديم"، و"مدارس الشعر الموريتاني القديم"، و"مكانة الشعر الموريتاني في الأدب العربي".
كما تناولت المقاربة الرؤية النقدية التي انطلق منها ولد اباه في دراسته للشعر الموريتاني، وأنماط المدونة الشعرية التي أوردها الباحث محققة، وكيف كان هذا الكتاب منطلق الدرس النقدي الحديث.
أما المحاضرة الثالثة فقد ألقاها د. أحمد ولد امبيريك، الذي قدم سردية مشوقة تحت عنوان "الدكتور محمد المختار والشعر". تطرق فيها لقصة طريفة ترسم محاولات العلامة الدكتور محمد المختار ولد اباه الهروب من الشعر، الذي حاصره في جميع محطات حياته، بدء من السماح له بكتابة الشعر على لوحه بعد أن حفظ القرآن الكريم في صباه، ثم محاولاته الابتعاد عن قرض الشعر، ثم قرضه، ومفارقة نشر ديوانه بالفرنسية مبكرا وعدم نشر ديوانه بالعربية إلى قيامه بنشر تآليف ستتحول إلى كتب مرجعية في المدرسة الشعرية الموريتانية، خاصة كتبه: "(الشعر والشعراء في موريتانيا)، و"شعراء وقصائد من فرنسا"، و"رحلة مع الشعر العربي"، و"نماذج من الشعر الشنقيطي القديم"، و"منتخبات من الشعر الموريتاني المعاصر”.
واختتمت الأمسية بتعقيب ثري قدمه الدكتور الشيخ ولد سيدي عبد الله.