لقد خرجتُ بجملة من الملاحظات السريعة بعد قراءتي الأولى لما يمكن أن نسميه بوثيقة الوزير الأول للحوار، والتي تلخص رد الأغلبية على مبادرة الرئيس "مسعود"، وهذه هي الملاحظات السريعة التي خرجتُ بها بعد تلك القراءة:
1 ـ إن هذه الوثيقة تشكل اعترافا ضمنيا من طرف السلطة القائمة بفشل انتخابات 23 من نوفمبر التشريعية والبلدية، وبفشل انتخابات 21 يونيو الرئاسية، وبأن كل تلك الانتخابات لم تتمكن من حل الأزمة السياسية القائمة، وإنما زادت من تفاقمها.
2 ـ إن هذه الوثيقة تشكل انتصارا سياسيا لكل تلك الأحزاب التي قاطعت تلك الانتخابات، وهو ما يعني بأن خيار المقاطعة كان خيارا صائبا رغم ما تعرض له من انتقادات عند الإعلان عنه، فلولا مقاطعة أغلب أحزاب المعارضة لانتخابات 23 نوفمبر، وانتخابات 21 يونيو، لما تم إصدار هذه الوثيقة، والتي يمكن القول بأنها وثيقة جيدة، على الأقل، من الناحية النظرية.
3 ـ فمن الناحية النظرية فإنه يمكننا القول بأن هذه الوثيقة قد تضمنت كل ما كانت تتحدث عنه المعارضة من شروط وضمانات لتنظيم أي انتخابات شفافة، ولم يغب عنها من شروط المعارضة إلا الشرط المتعلق بالإشراف على الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة، أو الشرط المتعلق بتشكيل حكومة توافقية ذات صلاحيات واسعة لضمان حياد الإدارة (هذا الشرط الأخير خاص بالمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة).
لقد تحدثت وثائق المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، والتي تبقى هي المرجع الأساسي للمنتدى عن الحكومة التوافقية بالصيغة التالية : "حكومة ذات صلاحيات واسعة تحترم قوانين الجمهورية، برهنت كل التجارب الأخيرة بأنها هي الضامن الأمثل للحياد التام للإدارة، وبأنها تمنع توظيف المصالح والخدمات العمومية في المنافسة السياسية."
ولذلك فإن المنتدى، وحسب وثائقه، لا يعتبر الحكومة التوافقية شرطا لابد منه للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، وإنما يعتبرها هي الضامن الأمثل لحياد الإدارة، وإذا ما توفر ضامن آخر لحياد الإدارة فإنه لن يكون هناك أي مبرر لتمسك المنتدى بمطلب الحكومة التوافقية، وفي اعتقادي فأن النقاط التي قدمها الوزير الأول في وثيقته يمكن أن تضمن حياد الإدارة إذا ما تم وضع الآليات الكفيلة بتنفيذ تلك النقاط بالصيغة التي تحدثت عنها الوثيقة.
4 ـ لقد تحدثت الوثيقة عن تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، ولا شك بأن هذه النقطة تطرح بعض الإشكالات لعل من أهمها أنها ستسمح للرئيس عزيز، إن ترشح وفاز، بأن يربح فترة رئاسية إضافية، وهي الفترة الفاصلة بين تاريخ تنصيبه في المأمورية الثانية، وتاريخ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية المبكرة.
ولتجاوز هذا الإشكال فيمكن التفكير في إضافة نقطة تتعلق بتنظيم استفتاء شعبي على شرعية الرئيس عزيز يكون متزامنا مع الانتخابات التشريعية والبلدية المبكرة، فإن فاز الرئيس عزيز في ذلك الاستفتاء كان له الحق في إكمال مأموريته الثانية، والتي بدأت من أغسطس 2014، وفي هذه الحالة فإنه على المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة أن يعترف وبشكل رجعي بانتخابات 21 يونيو الرئاسية، وأن يعترف بالتالي بالرئيس عزيز كرئيس شرعي للبلاد إلى غاية أغسطس 2019. أما إذا ما خسر الرئيس عزيز في ذلك الاستفتاء فإنه في هذه الحالة عليه أن ينظم انتخابات رئاسية مبكرة لا يشارك هو فيها. يمكن أن يتم تعويض الاستفتاء على شرعية الرئيس بنتائج الانتخابات التشريعية المبكرة فإن تحصل الرئيس عزيز على أغلبية في البرلمان القادم أكمل سنواته الخمس، وإن لم يحصل على أغلبية برلمانية دعا إلى انتخابات رئاسية مبكرة لا يشارك هو فيها.
5 ـ فيما يخص النقطة المتعلقة بإجراء تعديلات دستورية لإلغاء تحديد السن القصوى للترشح لرئاسة الجمهورية ، فهذه نقطة يجب أن يتم إلغاؤها، وعلى المنتدى أن يُطالب بإلغائها من الوثيقة إذا ما قرر القبول بالمشاركة في حوار مع السلطة تكون مرجعيته وثيقة الوزير الأول.
6 ـ لقد أضافت هذه الوثيقة جديدا، ولقد وفقت هذه الوثيقة في تلك الإضافة، خاصة في مثل هذا التوقيت بالذات. لقد تعود أهل السياسة على أن ينشغلوا بالانتخابات وبالقضايا المرتبطة بها، وأن يتجاهلوا كل القضايا الأخرى، ولكن هذه الوثيقة لم تقع في ذلك الخطأ، بل إنها أضافت إلى البنود المتعلقة بالانتخابات بندين في غاية الأهمية ويستحقان نقاشا معمقا وهما : البند المتعلق بالوحدة الوطنية، والبند المتعلق بالأمن العمومي والخارجي. وفيما يخص الوحدة الوطنية فإنها من القضايا التي تهم كثيرا المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، والذي كان قد أضافها إلى اسمه، كما أنه كان قد خصص لها ورشة خاصة بها في نقاشاته في قصر المؤتمرات، وأصدر عنها وثيقة تعد من أهم وثائقه التي أصدرها حتى الآن. إن إضافة تلك النقطة إلى هذه الوثيقة لابد وأنه سيشجع المنتدى لأن يتعامل بإيجابية أكثر مع وثيقة الوزير الأول للحوار.
7 ـ وفي المقابل، فلقد تضمنت الوثيقة نقاطا لا تبعث على الارتياح، ولعل من أهمها النقطة التي تقول: "العدول عن إقصاء الأطر ورجال الأعمال المنتمين للمعارضة ( إن وجدوا)". فإضافة كلمة "إن وجدوا" لهذه النقطة لابد وأنه سيثير قلق وارتياب الكثير من المعارضين.
حفظ الله موريتانيا..