مقابلة "الصحراء" مع الزعيم أحمد ولد داداه

خميس, 2015-01-22 19:41

خص رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد داداه موقع "الصحراء" بمقابلة شاملة تحدث خلالها عن توصيفه للحالة السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، متوقفا مع أجندة المنتدى وخطته للمرحلة القادمة.

الوضع السياسي المتأزم

انتقد رئيس حزب التكتل المعارض نظام الرئيس ولد عبد العزيز الذي قال إنه أصبح ينحو منحى خطيرا ويستعمل بإفراط سلطان الدولة لضرب خصومه السياسيين، معتبرا أن "رئيس الجمهورية ينبغي أن يكون رئيسا للجميع ويهتم بمصالح الجميع بما فيها المعارضة، واستشهد ولد داداه بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما تعثر دابة عند النهرين أو دجلة إلا وأنا مسؤول عنها". مضيفا أن هذا النوع من التفكير غائب والسائد أن من يعارض سياسات النظام تصنف معارضته تلقائيا كنشاط موجه ضد الرئيس الذي اتهمه ولد داداه بمعاقبة وتأديب كل من يعارضه.

واعتبر في هذا الإطار أن تصرفات النظام أحدثت قطيعة بينه مع القوة الحقيقية في الساحة وهي المعارضة، مضيفا أن الأغلبية لم تفلح في التسيير بحكم أن مسؤولي الحكومة يبحثون عن مصالحهم فقط وفق تعبيره، وهو ما أدى حسب ولد داداه إلى تدهور الحالة الداخلية بالبلد في ظل ممارسات النظام الحالي التي تتميز بالتأزم والغبن وتعتمد الرشوة والمحسوبية وتؤدي إلى انسداد الأفق، واعتبر ولد داداه أن نفس الوضع تعاني منه الصحة والتعليم والإدارة؛ فالبلد كله يعيش حالة أزمة في جميع النواحي حسب توصيفه.

وفي تعليقه على الوضع الأمني بالبلاد قال ولد داداه إن الأمن كما يقال أساس الجبهة الداخلية التي اعتبر أنها مفتاح الجبهة الخارجية، مضيفا أنه عندما تكون الجبهة الداخلية متماسكة فإن البلد يكون مؤهلا لمواجهة التحديات على الحدود باعتبار أن نفسية الجندي مرتبطة بواقع أسرته ومجتمعه، وحماية السيادة والحوزة الترابية مهمة نبيلة تحتاج لتأمين الوضع الداخلي أولا حتى تكون الجبهة الداخلية آمنة وتفرغ الجهود لبناء وسيادة الدولة والدفاع عن سمعتها الخارجية، وهو ما يطمئن الجندي وينمي لديه القناعة بأنه يصون حرية بلده ويحمي حوزته الترابية وسيادته وأنه منخرط في مهمة نبيلة، وعندها لا شك سيكون أحسن أداء وأكثر شجاعة حسب تعبيره.

ونفى ولد داداه انسجام الجبهة الداخلية مع الأحداث التي مرت بها البلاد، متهما رأس النظام الحاكم بعدم المبالاة بذلك؛ فالشعب الموريتاني يقول ولد داداه شعب نبيل علمته الحياة الصبر والثبات وحافظ على مصالح الأساسية حيث كسر وعورة الصحراء في كثير من المناطق من الحوضين وحتى داخلت انواذيبو وفق تعبيره.

وعن الوحدة الوطنية قال ولد داداه إن هذه الوحدة والانسجام بين مكونات المجتمع أضعفتهما تصرفات النظام الحالي الذي تطبع جميع تصرفاته روح الدولة الشمولية حسب وصفه، فالدولة يقول ولد داداه ليست سلاحا بيد الحاكم ليتغطرس ويطغى به ضد البلد بل الدولة ينبغي أن تكون مع المجتمع كل المجتمع بخصوصياته الثقافية ومكوناته الاجتماعية، وأردف أن هذه الروح لم نلمسها في النظام الحالي الذي يفتقد روح الإرادة ولم شمل الجميع على الكليات المتفق عليها حسب قوله.

وفي تعليقه على علاقة موريتانيا بجيرانها قال إن حدود موريتانيا مع مختلف الدول المجاورة مضطربة وخطيرة، مضيفا أن موريتانيا تقع في قلب منطقة الساحل التي تعتبر الآن منطقة تجاذب بين القوى الدولية كما تمثل أيضا التكامل بين العالم العربي الإسلامي والعالم الإفريقي الإسلامي لأن معظم الدول الواقعة ضمن المنطقة تمتلك اليوم هذه الخصوصية الثقافية المزدوجة، ويجب أن تأخذ موريتانيا دورها الريادي في منطقة الساحل الإفريقي وأن تواصل إشعاعها الحضاري الذي تركه الأجداد من خلال التعاون مع القوى العظمى حتى تحتفظ موريتانيا بدورها الإيجابي والتنموي وتشارك بدورها المنتظر في تكريس الحد الأدنى من تعاون هذه الدول فيما بينها ولا شك أن الحرب والتخندق في دعم بعض القوى المتصارعة ليست هي الطريقة الأفضل لتحقيق ذلك.

المعارضة قادمة

وحول غياب المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة -الذي يضم أطيافا من المعارضة الموريتانية- خلال الأشهر الأخيرة علل ولد داداه غياب المنتدى عن الساحة بقوله إن الفترة المنصرمة كانت فترة عطلة صيفية في البلد؛ حيث دخل الموريتانيون أجواء رمضان ثم تبعها العيد ثم عطلة الخريف التي خرج فيها الجميع عن أجواء المدينة؛ وهو ما يجعل من الطبيعي أن يكون الحراك السياسي ليس على الوضع العادي لكن المنتدى كان يجتمع بمختلف هيئاته خلال الفترة الماضية ويمتلك الآن خطة عمل متماسكة، وقد قررنا يضيف ولد داداه إيقاف النشاطات لتكون هناك دفعة قوية مع انطلاق خطة العمل الجديدة.

وفي جوابه لسؤال عما إذا كان ذلك هو الهدوء الذي يسبق العاصفة؟ قال ولد داداه: أنا لا أتمنى العاصفة بل أتمنى الأمثل والأحسن للبلد والعاصفة لا تنظم عادة بل تأتي تلقائية ونتمنى للبلاد أن تتجاوز العواصف والمآسي، ورغم ذلك لا شك أن هناك احتقان كبير داخل البلاد، وهو الاحتقان الذي ليست الموالاة بمعزل عنه؛ إذ يتحدثون عن انسداد في الأفق، وشدد ولد داداه على أن الوضع الحالي خطير ولا يمكن حله بخرجة وكلام بل يتطلب الانخراط في توجه جديد يكون فيه الكل يصغي للآخر تمهيدا لإيجاد مخرج توافقي من هذه الوضعية المزرية.

وفيما يتعلق بالمعارضة اعتبر رئيس حزب التكتل أن دور المعارضة يتمثل في تحليل وشرح السياسيات التي قد لا يفهمها المواطن العادي وإن كان المواطن الموريتاني ذكي وذا فطنة حسب تعبيره. وأضاف أن كل ما فيه مصلحة البلاد وعليه إجماع يجب أن يكون خطا أحمر لا يمكن المساس به، داعيا الجميع إلى رفض كل ما يضر سمعة البلاد ومكاسبها ومصالحها الاقتصادية، وإلى السعي لكلما فيه مصلحة البلاد.

وفي رده على ما سربته بعض المواقع الالكترونية مؤخرا من اعتزاله للسياسة علق ولد داداه قائلا: إن مثل هذا الحديث من الأمور التي لا عبرة بها؛ فدائما ما تعتمد الأنظمة الشمولية الأحادية مثل هذه الشائعات وتتخيل أن ذلك يحل محل الأداء السياسي الصالح، واستدرك قائلا: إن حزب التكتل فيه بدائل كثيرة. وعلاوة على ذلك أكد ولد داداه ألا صحة لمثل هذه الشائعات.

وأضاف أن مشروع حزب تكتل القوى الديمقراطية مشروع مجتمعي شامل يضم 200 إجراء سبق أن تقدمنا بها للرأي العام خلال الانتخابات الرئاسية التي شاركنا فيها باسم التكتل بالإضافة لعريضة المعارضة التي تم طرحها مؤخرا وغير ذلك من المشاريع الاجتماعية للأحزاب المماثلة التي يجب التركيز عليها باعتبار أن كلا منها يستحق التشاور كل في مكانته وتوجهاته.

فائض اقتصادي مشبوه!

وفي تعليقه على الفائض المالي الذي أعلن النظام عن وجوده في مخازن البنك المركزي قال ولد داداه المحافظ الأسبق للبنك إن أهم ما ترتكز عليه النظريات الاقتصادية هو الوضعية الاجتماعية للمواطن، متسائلا هل المواطن الموريتاني في ضواحي انواكشوط وفي الداخل الموريتاني يتمتع بوضعية لائقة وكريمة؟ وهل يتمتع بتعليم مرضي؟ وهل المواطنون يمتلكون نظاما صحيا يحميهم؟ ولذلك فالنظام يقول ولد داداه فشل فشلا ذريعا خاصة أنه حصل على فائض كبير تجاوز بكثير استهلاك البلاد، حتى أنه أصبح ينتهج نهجا مشينا يتنافى مع عادات البلد وتقاليده ممثلا بما أسماه "صفقة بيع السنوسي" التي كانت مثالا على الوضعية المتردية التي وصلها النظام الحالي لجمع المال بطريقة مشينة ومقززة حسب تعبيره، وأضاف أن "من استجار بقوم عليهم إيجاره". وإذا كان السنوسي مجرما يقول ولد داداه تجب محاكمته أو تسليمه لجهة تحاكمه محاكمة عادلة لكن لا يمكن بيعه إطلاقا باعتبار أن بيع المستجير ليس من تقاليد المجتمعات التي تحترم نفسها وفق وصفه.

وأضاف ولد داداه أن النظام الحالي قام ببيع السنوسي بمبلغ 200 مليون دولار، كما أن هناك مبالغ أخرى وصفها بـ"الـمشبوهة" من بينها مبلغ 50 مليون دولار التي منحتها المملكة العربية السعودية للشعب الموريتاني والتي لم تمر بالمسطرة الإدارية القانونية الصحيحة لصرفها وبالتالي لم يستفد منها الشعب الموريتاني وفق قوله، معتبرا أن طريقة صرفها حصل فيها فساد كبير ينبغي استنكاره.

وبشكل عام يقول ولد داداه لا شك أن البلد يعاني من أزمة كبيرة من مظاهرها شح المعيشة وتردي التعليم وتدهور الوضع الصحي، وهو ما يجب ألا يكون؛ فالبلد سكانه لا يتجاوزون أربعة ملايين نسمة، وهو بلد غني يمتلك ثروات كبيرة من المواشي المنسية التي ليست مستغلة في مشاريع تنموية واعدة، وكذلك الزراعة والأراضي الصالحة للزراعة المروية التي تتجاوز 135 هكتار علاوة على المشاريع القائمة مثل فم لكليته والضفة وتامورت النعاج وغيرها أضف لذلك الصيد الذي نمتلك منه فائضا كبيرا فالساحل الموريتاني من أغنى السواحل العالمية وكان ينبغي أن نعرف كم الإنتاج الممكن في قطاع الصيد إذ لا يتوفر البلد الآن على أرقام محددة حول حجم الإنتاج حسب وصفه.

واستطرد ولد داداه في حديثه عن الوضع الاقتصادي قائلا إن هذه الثروة المتجددة في استعمالها بالإضافة إلى المناجم كان من الممكن أن تكون الأولوية في إطلاق سياسة وطنية للتصنيع.

وختاما خلص الرئيس ولد داداه إلى دعوة الشعب الموريتاني للمحافظة على الوحدة الوطنية التي اعتبرها أساس الازدهار والعيش الكريم، مطالبا الجميع بالصبر على النضال الدؤوب من أجل التغيير الذي لا شك أنه قادم لا محالة حسب وصفه، لكن يقول ولد داداه يجب على الجميع أن يطالب به دون شغب ولكن بجدية وصدق ومثابرة؛ فالشعب الموريتاني بحكمته وصبره وفطنته السياسية والثقافية وبتعايش جميع مكوناته سبق وأن تجاوز الكثير من المحن في القرون السابقة حسب تعبيره.