تابعت الحكومة الموريتانية أمس مسارها على مستويات متعددة، متجهة نحو تنظيم استفتاء شعبي منتصف كانون الأول / ديسمبر المقبل، لإقرار التعديلات الدستورية التي تمخض عنها الحوار الأخير والتي تشمل بين أمور عدة، إلغاء غرفة الشيوخ والاستعاضة عنها بمجالس جهوية، إضافة لتغيير ألوان العلم الوطني، ودمج مؤسسات وسيط الجمهورية والمجلس الإسلامي الأعلى ومجلس الفتوى في هيئة واحدة.
فقد وافقت لجنة متابعة نتائج الحوار على مسودة الدستور المعدل التي أحيلت للمجلس الدستوري لإقرارها، فيما بدأت وزارة الداخلية الموريتانية استعداداتها للتنظيم الإداري والمادي للاستفتاء.
ولم تول الحكومة أي اهتمام للاحتجاجات التي نظمتها المعارضة رفضاً للاستفتاء بل لنتائج الحوار برمتها، مما يجعل المشهد السياسي الموريتاني متجهاً نحو معركة بين «نعم» الحكومة و»لا» المعارضة. وبينما بدأت الموالاة تنظيم مهرجانات تحسيسية محضرة للاستفتاء على تعديل الدستور بل مطالبة بمأموريات إضافية للرئيس، ترى أوساط المعارضة الموريتانية المرتبطة أن «نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز يوجد في ورطة فإما أن يتخلى عن المسار الأحادي الذي يدير به الأمور ويعمل على تطبيع المشهد وبناء الثقة مع المعارضة، وإما أن يفضل الهروب للأمام معرضاً نظامه للخطر».
في هذه الأثناء ينشغل الرأي العام الموريتاني بالنقاش المحتدم بين فقهاء القانون الدستوري في صفي الموالاة والمعارضة حول أحقية الرئيس في عرض التعديلات الدستورية التي تمخض عنها الحوار الأخير للاستفتاء الشعبي مباشرة دون المرور بالبرلمان. وتنص المادة 99 (جديدة) من الدستور الموريتاني «على امتلاك كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مبادرة مراجعة الدستور».
وتؤكد المادة نفسها أنه «لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء». وقد جزم الدكتور محمد الأمين داهي وهو أبرز فقهاء القانون الدستوري في موريتانيا ضمن توضيحات قدمها أمس في برنامج «ساعة حوار» الذي تبثه قناة «المرابطون» بأنه «لا يمكن للرئيس الموريتاني طبقاً للمادة 99 من الدستور، تقديم التعديلات الدستورية التي تمخض عنها الحوار وأقرتها الحكومة للاستفتاء الشعبي ما لم يصادق عليها ثلثا غرفة النواب وثلثا غرفة الشيوخ». وأكد ولد داهي المحسوب على المعارضة «أن الاستفتاء سيكون باطلاً إذا سلك طريقاً أخرى»، مبرزاً «أن مراجعة الدستور لا تتم إلا من طريقين إحداهما الاستفتاء الشعبي الذي يدعو له الرئيس بعد مصادقة ثلثي أعضاء الغرفتين، والثانية مؤتمر برلماني يجمع أعضاء الغرفتين يدعو له الرئيس». وبما أن التعديلات الدستورية المقترحة تشمل إلغاء غرفة مجلس الشيوخ الأمر الذي يرفضه أعضاء هذه الغرفة، فقد أصبح المرور بالبرلمان شبه مسدود، وهو ما دفع الرئيس للتوجه نحو استفتاء شعبي مباشر، مستخدماً المادة 38 من الدستور التي تنص على «أنه لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية».
وبينما يرى الدكتور داهي «أن هذه المادة لا تتعلق بمراجعة الدستور التي تحكمها مواد أخرى، بل تتعلق بقضايا خاصة مثل نسبة الهجرة وغيرها، يرى الدكتور محمدو ولد محمد المختار أستاذ القانون العام بجامعة نواكشوط والمحسوب على الموالاة أنه «من اللازم البحث عن طبيعة تلك القضايا وعن مدى إمكانية وجود معيار لتحديد ماهيتها».
وأضاف في فتوى قانونية نشرها قبل يومين «من الواضح أن نص المادة 38 من الدستور قد يثير إشكالاً يتعلق بتحديد ماهية القضايا ذات الأهمية الوطنية، فمفهوم هذه القضايا قد يلتبس لدى البعض، ولكنها في تقديرنا يجب أن تتحدد في سياق هذا الموضوع بنوعين من القضايا قضايا يمنع دستوريا عرضها للاستفتاء بغرض التعديل وهي التي حددتها الفقرة الأخيرة من المادة 99، فمثل هذه القضايا، يضيف الدكتور المختار، هي من باب القضايا والمبادئ العامة التي تحكم التوازنات الكبرى لممارسة السلطة واستمرار المؤسسات لذلك ليس من قبيل الصدفة تحصينها دستورياً من أي جنوح للتعديل مهما كان مصدره، أما النوع الثاني من هذه القضايا فهو ما يرى رئيس الجمهورية أهميته بوصفه المخول وحده دستوريا بذلك، وبالتالي تقدير ما إذا كان يتعين عرضه مباشرة على الاستفتاء الشعبي، وحتى إن جاز القول بأن للرأي العام والقوى الحية في المجتمع دوراً كبيراً في تحديد ماهية تلك القضايا، إلا أن صاحب الحق في تحديدها أولًا وأخيراً وبالتالي في عرضها للاستفتاء يبقى فقط هو من خوله الدستور ذلك». وأضاف الدكتور ولد محمد المختار «لا قيود دستورية على حق الرئيس في المبادرة بمراجعة الدستور، إذا استثنينا الحالات التي تضمنها نص الفقرة الأخيرة من المادة 99 من الدستور، ومن هنا يستعصي في نظرنا القول بما ذهب إليه البعض من ضرورة الربط بين مضمون امتلاك حق الرئيس لمبادرة مراجعة الدستور وحق أعضاء البرلمان فيها، فالرئيس يمتلك حق الاختيار بين إحدى الطريقتين، فإن شاء عرض مباشرة مشروع التعديل على الشعب عن طريق الاستفتاء وإن شاء لجأ إلى الصيغة البرلمانية في التعديل على النحو الذي حدده نص المادة 101 من الدستور».
ولم تعلن المعارضة الموريتانية لحد يوم أمس عن موقفها من القرار الحكومي المتعلق بالتعديلات الدستورية، غير أن مصادر مقربة منها أكدت أن المنتدى المعارض يجري مشاورات معمقة مع هيئاته الحزبية والنقابية حول الموقف الذي يجب اتخاذه لإفشال ما تسعى له الأغلبية وللتعامل مع التطورات السياسية المتسارعة التي تشهدها البلاد.
ولم ينتظر المدونون المعارضون مشاورات المنتدى المعارض، بل أطلقوا هاشتاغات معارضة لتغيير العلم ولإجراء استفتاء شعبي حول تعديلات دستورية خارج الإجماع.
وتحت عنوان «أفكارٌ لإفشال الاستفتاء الذي تم إقراره من طرف واحد»ـ أكد القيادي المعارض والمدون النشط محمد الأمين الفاظل « أمام المعارضة، في تعاملها مع التطورات السياسية الجديدة خيارات منها : أن تشارك في الاستفتاء وأن تصوت بـ»لا»، لتظهر بأن أغلبية الشعب الموريتاني ترفض التعديلات الدستورية، ومنها أن تعلن المعارضة عن مقاطعتها للاستفتاء، وهذا الخيار سيكون عديم الفائدة فالمقاطعة التي لا تربك العملية الانتخابية، والتي لا تتمكن من نزع المصداقية من الانتخابات ستبقى في النهاية مجرد مقاطعة سلبية وبلا جدوى». وحول الطرق التي يمكن للمعارضة بواسطتها إرباك العملية الانتخابية وتعرية الاستفتاء القادم، اقترح المدون «أن تمسك المعارضة هذه المرة بزمام المبادرة فتحدد ساحة المعركة وعنوانها وأساليب إدارتها، ويمكن للمعارضة في هذا الإطار أن تجعل من التمسك بالعلم الوطني سلاحا ذكيا لإفشال الاستفتاء في مجمله».
واقترح المدون على المعارضة الموريتانية «تغيير خطابها في المرحلة المقبلة، فمن الراجح بأن النظام القائم سيجعل من المقاومة ومن الدفاع عنها مبررا لتعديلاته الدستورية الرامية إلى تغيير العلم، ولن يكون مثل ذلك غريباً على نظام تعود الأقتيات على الشعارات»، حسب قوله.